قليل من الحياء السياسي
وسط المجزرة الصهيونية لغزة خرجت أفاعي تدين ودون خجل أو خوف من عقاب ضمير وانتقام رب ما قامت به المقاومة الفلسطينية دفاعًا عن النفس والأرض، ذلك أن الجريمة الأكبر والأقسى والأشد مرارة هي شرعنة جرائم الاحتلال، وتأقلم العرب والعالم معها، وسط عزف رخيص علي شبكات التواصل الاجتماعي تحذر من اجتياح الفلسطينيين لسيناء بعد تدمير غزة وبالتالي تنفيذ مؤامرة صفقة القرن بإيجاد وطن بديل للفلسطينيين في سيناء.. يروج له أناس يفتقدون الحس الإنساني والوطني.
فلا مصر ستقبل ذلك ولا الفلسطينيين الذين يضحون بأرواحهم من أجل أرضهم وحقهم في العودة سيقبلون به أيضًا.. فالخريطة المصرية منذ آلاف السنين لم تتغير، فلم تأخذ مصر أرض من أحد وتوسعت على حسابه، ولا نقصت أرض من مصر..
فلن يأتي أي مشروع أمريكي جديد على حساب الدولة المصرية، معظمهم لم يلاحظوا أن أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا سيساعدون إسرائيل في الدفاع عن نفسها في بيان مشترك، وربما كان ما كتبه الإسرائيلي جدعون ليفي، في صحيفة ها آرتس الصهيونية ما يغنينا عن البيان، حيث قال: منذ 1948 وإسرائيل تعاقب غزة.. أمس رأت اسرائيل صورًا لم تتوقعها في حياتها، بسبب غطرستها وراء كل ما حصل، هي الغطرسة الإسرائيلية.
المتصهينين والمثقفين
اعتقدنا بأنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمنًا ولن نعاقب على ذلك أبدًا. نواصل دون تشويش. نعتقل، نقتل، نسيء معاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، ويختتم مقاله بقوله وعلينا الآن أن نبكي بمرارة على الضحايا الإسرائيليين؛ ولكن علينا أيضًا أن نبكي على غزة.
وغزة، التي معظم سكانها لاجئون خلقتهم أيدي إسرائيل؛ غزة التي لم تعرف يومًا واحدًا من الحرية. امًا جماعة المتصهينين العرب فهم يقدمون صك براءة للاحتلال، طامسه مئات آلاف الشهداء من فلسطينيين ولبنانيين وعرب أحرقتهم إسرائيل وأعوانها، تناسوا ما فعله الاحتلال في صبرا وشاتيلا على يد عصابات الإجرام المدعومين من اسيادهم متناسين حصار بيروت، ومجزرة قانا.
هذه الوقاحة ليست مستغربة، فهي تتنكر لدماء 250 جنديا مصريا تم ذبحهم ودفن بعضهم أحياء على أيدي حملة "شاكيد" العسكرية التي قادها الضابط الإسرائيلي بنيامين بن آليعازر، الذي شغل مناصب رفيعة في بعض الحكومات الإسرائيلية.. وكل تلك الوقائع ينساها هؤلاء المتصهينين..
والمتصهين يعني الشخص الذي يقبل الرواية الصهيونية لاستعمار فلسطين، أو يدعو إلى قبول نتائجها أمرا واقعا من دون مقاومة، أو حتى رفض لفظي، ويجد أن المواجهة الفكرية أو القتالية أو السياسية مع الصهيونية تعرقل عملية التحاق العالم العربي بركب الحضارة والتمدّن والازدهار الاقتصادي، وكأن رفض الفلسطيني للاحتلال جريمة..
المتصهين العربي يرحب بالتطبيع، بل ويهاجم مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، باعتبار ذلك مؤشّرًا على رفض الآخر، ورفض التنوع الثقافي، ودليلًا على تخلف همجي، فالمطلوب فك ارتباط المجتمع العربي بالقضية الفلسطينية شرطا للتنوير والانفتاح على الثقافات والعالم.
ليس الكلام هنا عن حكومات بل عن كتّاب ومثقفين وأصوات تنبح علي مواقع التواصل الاجتماعي، وتتسابق على شتم الفلسطينيين، وعن مقالات منمقة لغويًا وفكريًا، تقوم بتصوير الاستسلام عملًا تقدّميًا وحضاريا للخروج من الأزمات الاقتصادية الاجتماعية..
سكوت بعض المتصهينين العرب في مثل هذه الأيام الحاسمة عبادة.. فصبرا جميل والله المستعان على ما تصفون.