رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور جودة.. "الذبياني"!

أعرف الدكتور جودة عبد الخالق وزير التضامن الأسبق وأستاذ الاقتصاد المعروف، منذ سنوات طويلة، فهو اقتصادي مرموق وقيادي في حزب التجمع ذو الاتجاهات الاشتراكية! وكنت ألتقيه كثيرًا في مؤتمرات مركز البحوث الاقتصادية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أو لقاءات اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع أو في ندوات شعبة المحررين الاقتصاديين.

وكانت بيننا مناقشات متصلة عن أحوال أهالينا في الريف المصري، فنحن الإثنان تجمعنا العائلة الكبيرة والأصول الريفية. وكنت - ومازلت - معجبا بأحاديثه ودأبه الدائم بالمشاركة في العمل العام، وأدبه وحُسن تعامله مع الكبير والصغير.

وأخص ما كان يعجبني في أحاديثه ومداخلاته في المؤتمرات والندوات؛ استشهاده بالشعر لتدعيم وجهة نظره المختلفة دائمًا عن وجهات نظر بقية المتحدثين على ذات المنصة! ومن أشهر ما أستشهد به..  قول الشاعر:

مما يزهدني في أرض أندلس  
تلقيب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة فى غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

ولكن بعد أن تقدم بنا العمر وشاب الشعر؛ أصبحنا نلتقي مجموعة متقاربة من الأصدقاء في لقاءات متتالية على إفطار أو غذاء ينظمه أحدنا، ومؤخرًا فاجأنا الدكتور جودة عبد الخالق بأنه يقرض الشعر، وأسمعنا قصيدة عاطفية تفوح منها الرومانسية بشكل كبير بنظام المربعات، يقول فيها: 

سأفرح فرع الموعود
وسأدمع من فرط الحب
أعانق ليلاي طويلا
نتهامس أسرار الحرب


ثم: سنشاهد آيات احب
تتدافع من تحت الأعماق
ونذوب، ونغيب سويا
ونخلق فى أعلى الآفاق

شاعر جديد

وكنت أول المعقبين.. باعتباري متذوق ومحب للشعر وسألته: يا دكتورنا الفاضل، نعلم أنك ضيعت عمرك تكتب فى الاقتصاد بألفاظ وتعبيرات صعبة مثل الاختلال الهيكلي، والتمويل بالعجز.. وغيرها مما يحتاج لمذكرات تفسيرية حتى يفهم القراء مغزاها ومعناها، فما الذي أتى "بالقلعة جنب البحر" وأقرضك الشعر في آخر العمر وكأنك النابغة الذيباني؟

فكانت المفاجأة الأكبر في رده وتوضيحه؛ أنه يكتب الشعر منذ سنوات طويلة، ولكنه كان يحتفظ به لنفسه. والآن قرر الكشف عن كنوزه الشعرية، وتلى علينا قصيدة أخرى كتبها عام 1967 يرثى فيها المناضل تشي جيفارا:


قالوا: مات "شيء" 
فقلت: لا "شى" لم يمت
فكل الناس جيفارا


في الليل نعرفه
في الفجر نسمعه
سكن الجبال وعبر الأنهار
للحق جاء ودونه ولى
ولا أقول انتهى، للرب مختار

وبالطبع صفقنا بحرارة للشاعر الجديد ذو الشعر الأبيض! ثم أهداني ديوانه الأول والوحيد كما يبدو، وعنوانه محاولات شعرية، حيث ضم أربعة قصائد بعضها قصير والآخر متوسط، نقلت منها الأبيات السابقة.
ختامًا.. مرحبا بك فى مملكة الشعر؛ أيها الاقتصادى الكبير.. وبلا أرقام ومعادلات ووجع قلب.

الجريدة الرسمية