رئيس التحرير
عصام كامل

طوفان الأمل أمُّ المعارك

كنت جاثيا على ركبتىَّ أقدم تحياتي وصلواتي لله رب العالمين، سلمت يمينا ويسارا ونهضت، تشدني نافذة على غرفة مطلة على حديقة عتيقة تتوسطها شجرة من عمر طويل ولا تزال شاهقة في شباب متجدد، كانت نسمات الصبح تتسلل من النافذة وكأنها تزف أملا جديدا في عصر الملل المتمدد في أوصالي.


كانت تباشير الصباح تزحف نحو نهار جديد تغادر على إثره نجمات كانت تزين السماء طوال الليل، وأنا أشد نفسا عميقا من نسمات صباحية لم تلوثها عوادم سيارات المدينة ولم تفقدها رونقها صافرات السيارات التى لم تزل في سباتها تحت البيوت.. سال ضوء الصباح نديا على أوراق الشجر والبيوت.


دلفت إلى غرفة المعيشة أقلب بـ«ريموت» لطالما قلبت به عشرات المرات دون أن أجد ما يجذبنى أو يشدنى إليه، وكأن الصبح الذى أطل على هذا اليوم قد حمل معه ما لم أتوقع، قاذفات من نور تسقط على أرض العدو ومعها قلب يتراقص على كلمات نطق بها المعلق الإخباري زفَّت إلىَّ وإلى الأمة طوفان الأمل.


كانت قطرات الغضب المتراكم بين جوانحى تثقل الخطى وتجمد الدماء في الشرايين بعد سنوات من الإهانة والاستهانة بشعبى الساكن أرض المقدسات وأرض الخطر وأرض الاحتلال.

كنت أتابع الصور الواردة إلينا في نشرات الأخبار، أمٌّ تُهان وطفل يقتل وشيخ في عمر جدى تمتهن كرامته، ومسجد هو قبلتى يداس، وكنيسة هى وسع الحب وملاذه تسحق، وتاريخ تليد يُهان.

فجر جديد


سنوات وأنا المواطن العربى تكبلنى وصاية الحكام واتفاقيات الحكام وكراسى الحكام، أتلقى يوميا آلاف الضربات على ما تبقى من إنسانية قيدوها في عمود حديدى من تصوراتهم الواهمة حول الحق والخير والحب وقصور رؤيتهم فيما يسمونها «رجولة».


أتجول بين صفحات إخبارية أخرى، رجال من نور عبروا يحملون إراداتهم سلاحا لا يعرفه العدو الذى بدا في الصور الكثيفة مذعورا، خائفا، مستسلما، وفي فجر جديد من يوم السابع من أكتوبر الجارى جرى الدم في عروقنا نحن الأمة التى لطالما كانت نورا للإنسانية قبل أن يتسلطن علينا صناع الاستسلام.


اقتحم الشباب وقلوبنا تحت أقدامهم المباركة أرضا تحملهم إلى الأرض المحتلة، وأمامهم ينثر الصبح نوره على البرية، وفي عمق الصورة أسرى حرب مذعورون تسوقهم كالقطيع بنادق من عزيمة طال صنعها ودمغها وتلوينها بلون الشمس التى سطعت كما لم تسطع من قبل.


عواصم عربية تقول إنها على مسافة واحدة من الحق والباطل، وتدعو إلى ضبط النفس، والنفس تواقة إلى فوضى الانضباط، فكم من عقود صبرنا وضبطنا أنفسنا وهم يعيثون في أرضنا المباركة فسادا وقتلا وتدميرا وذلا وامتهانا وغصبا واحتلالا.


أرجوكم لا تضبطوا أنفسكم.. فالانضباط أمام الاحتلال جريمة استسلام كاملة الأركان.. لا تضبطوا أنفسكم أيها الأبطال، فالنفس العربية تواقة إلى الخروج عن مألوف السلطان وعساكر السلطان وزنازين الحبس الذاتية القاتلة المهينة.


حاصروا القاتل في دار اغتصبها من أهلنا، واقتلوا من يقاتلكم، وخذوا من الأسرى ما يحرر أسرانا، واحبسوا المحتل في دائرة العزيمة الفولاذية، واطووا صفحات الهزيمة إلى الأبد وانسفوا كل كلمات المحافل الدولية التى لا تعرف إلا القوة، وأنتم الآن رمز القوة.


صور الجنود المكبلين في أثواب من الخزى هديتكم إلى تلك الأم التى أراد واحد منهم سحق هامتها، صور الأسرى ورءوسهم المدلاة على أعناقهم هدية لذلك الشيخ العجوز الذى ضربوه وسحقوه على أرض هو يعرفها وهى تعرفه أكثر مما يعرفون.

 


لا تضبطوا النفس التى تاقت إلى يوم لا تمارس فيه عادة الانضباط والالتزام بأوامر من تعانقوا مع العدو وطبعوا مع القاتل وتصوروا أنهم بتخليهم عن تاريخهم قد أصبحوا حماية للقاتل.. طبعوا ما شئتم ووقعوا معاهدات سلام مع من لا يملكون أصلا القدرة على العداء وسترون أياما ونسخا من السابع من أكتوبر العظيم.

الجريدة الرسمية