إسرائيل مرتبكة!
أستطيع القول إن إسرائيل رغم القصف المفرط والبشع الذي تقوم به لقطاع غزة بالكامل تعالى بشدة من الارتباك.. ومظاهر هذا الارتباك لا تتخطاها العين الفاحصة والمدققة.. فهي مع بداية قصف غزة جوا وبحرا وبرا أعلنت أنها تستهدف تصفية منظمة حماس واقتلاعها من جذورها في غزة، ولكنها عادت مع استمرار قصف المستوطنات الإسرائيلية منها لتقول إن هدفها هو الإطاحة بحماس من حكم غزة..
كما أنها بعد أن طالبت سكان غزة بترك القطاع والنزوح عبر منفذ رفح للأراضي المصريةَ عادت لتسحب هذه الدعوة واكتفت الآن بدعوة سكان شمال القطاع لترك منازلهم والنزوح إلى جنوبه.. كذلك بعد أن أبدت عدم اكتراثها بحياة من أسرتهم حماس من جنود وسكّان مستوطنات غلاف غزة بسبب غارتها على القطاع، طرحت مؤخرا عرضا باستئناف ضخ المياه والكهرباء والغذاء لغزة مقابل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى الإسرائيليين.
وهذا الارتباك الإسرائيلي لا يقتصر على نتانياهو وحده الذي لا يأمن على مستقبله السياسي الآن، وإنما يعاني من هذا الارتباك القيادة الإسرائيلية كلها، سياسية وعسكرية.. فإن الضربة التي تعرضت لها إسرائيل في السابع من أكتوبر كانت مزلزلة للإسرائيليين، من حيث المفاجأة والصدمة وما حدث فيها ونتائجها..
ورغم احتشاد الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين لدعم إسرائيل عسكريا قبل اقتصاديا فإنهـم يهمهم عدم تطور الأمور لحرب إقليمية بعد انخراط أطراف عربية وإقليمية فيها وتريد ألا يشجع الرد الإسرائيلي على ما حدث يوم السابع من أكتوبر على حدوث مثل هذا التطور..
كما أن الرفض المصري الحاسم والصارم لتهجير فلسطيني غزة إلى سيناء والتلويح باستخدام القوة العسكرية جعل إسرائيل تراجع نفسها في هذا الصدد.. وكذلك فإن تكلفة الاجتياح البري الذي تفكر فيه إسرائيل جعلها تفكر في إخلاء شمال القطاع من سكانه عبر توجيه التهديدات لهم.
كل ذلك أسهم في إصابة القيادة الإسرائيلية بالارتباك.. وإذا كان هذا الارتباك قد يلجم عدوانها البشع الذي تشنه على أهل غزة الآن، فإنه أيضا قد يؤدى إلى عكس ذلك ويجعلها تتمادى وتستغرق في هذا العدوان البشع لفترة ليست بالقصيرة حتى يصيبها الإجهاد اقتصاديا وعسكريا بسبب الخسائر البشرية والمادية التي ما زالت تتعرض لها حتى الآن.