رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا تعلمنا من دروس الإفك والبراءة؟!

الفتنة أشد من القتل وأكبر، وهو ما أكدته أبحاث كثيرة أجراها غير مسلمين؛ وأعظم الفتن تشعله كلمة خبيثة كاذبة.. وهل كان حديث الإفك الذي تأذى منه رسول الله وأهله الأطهار إلا كلمة مسمومة اختلقها وروجها أهل الشر والضلال والبهتان حتى جاءت البراءة من رب السماء؟!


ومن ثم فإن أبلغ درس تعلمناه من تلك البراءة أن ننتقي الكلمات وأن نبذل أقصى الجهد للتثبت من كل ما يصل إلى مسامعنا من أخبار.. كلماتنا هي مفاتيح القلوب حتى لا نؤذي بها أحدًا: “قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ” (البقرة:263)، وذلك حتى نحدث أثرًا طيبًا في النفوس تأتلف به القلوب وتلتئم به الصفوف وتتوحد الرؤى.. وحتى نعطى للآخر صورة صحيحة عن الواقع؛ وصورة مضيئة عن الدين الذي تسبب سوء أخلاقنا في تشويهه لاسيما في مجتمعات الغرب.. فما أكثر حديث الغيبة والنميمة والنفاق عندنا. 

Advertisements


وننسى  دائما أن للكلمة الطيبة تأثيرًا لا يعدله تأثير، ومن ثم قدمها  الله على الصلاة والزكاة في قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” (البقرة:83) كما جعلها رسول الله صدقة لقائلها بقوله "الكلمة الطيبة صدقة"..

 

فما من كلمة يصدرها الإنسان إلا وتترك أثرًا في متلقيها لا يزول بمرور الزمن، وهي إما أن تكون سببًا في شقاء الإنسان أو سعادته وربما تكون أكثر إيلامًا من العقاب البدني؛ ولهذا وجب الحرص على ترك أثر طيب في نفوس الآخرين وعقولهم؛ فلا ندري لعل كلمة طيبة تكون سببًا في دخول صاحبها الجنة.. 

 

يقول ربنا عز وجل: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ” ... "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ"(إبراهيم24-26).

أصحاب الأقلام وأمانة الكلمة

للكلمة كما للقلم مكانة تعلو به لمدارج سامية.. وليس أدل على علو تلك المنزلة من تسمية الله في قرآنه سورة باسم القلم التي زكّى فيها أخلاق رسوله الكريم بقوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".. أفلا يضاعف ذلك المسئولية الأخلاقية لأصحاب الكلمة مكتوبة أو مسموعة.. 

 

فماذا بعد قسم الله بما يسطرون.. أفلا يكفي ذلك دليلًا على خطورة ما يطرحون من أفكار وآراء وما يثيرون من قضايا وما يعالجون من هموم وشواغل تخص وطنًا وشعبًا هم ضميره وعقله وبوصلته إلى حقائق الأمور.. فما يسلطون عليه الضوء ينجلي ويسطع وما يعرضون عنه يظلم ويتلاشى.. 

 

وبهم يتقدم المجتمع نحو غايته المنشودة وأهدافه المرجوة إذا ما أحسنوا توصيل الرسالة الإعلامية، ونجحوا في إقناع الناس بواجبات الوقت وأولوياته القصوى.. ويغرق هذا المجتمع في الجدل والسطحية إذا انشغلوا بتوافه الأمور.. وهنا لا يرجى منه خير ولا يتوقع له نجاح!


وما دام القلم وأصحابه على هذا القدر من السمو والرفعة.. فأي الأقلام يستحق تلك الدرجة الرفيعة.. وهل يستوى الأخيار والأشرار.. هل يستوى المنصفون المخلصون والمغرضون الأفاكون.. هل يستوى المعتصمون بالحق الثابتون على المباديء.. ومن يروجون للباطل ويدعون للزيف والبهتان؟

 

وهل يستوى من يتحرى الصدق والموضوعية ويتحلى بالمهنية متثبتًا من كل معلومة مهما يكلفه ذلك من مشقة وتعب، ومن يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون وينتهكون الميثاق ويشيعون الكذب ويطلقون الشائعات؟ 

 

من يؤدون أمانة الكلمة ويتحملون مسئوليتها بشجاعة وإخلاص ويوفون بعهودهم ويبرون بقسمهم ويدفعون ضريبة الثبات على الحق.. ومن يستسهلون التضليل والخداع والنفاق ويهادنون الفساد رغبًا ورهبًا.. هل يستوي من يهدون الناس إلى سواء السبيل ومن يضلونهم ويشغلونهم تارة بالغيبة والنميمة وتارة أخرى بنهش الأعراض واغتيال السمعة والفتن؟ شتان بين من يرسمون للوطن طريقه نحو المستقبل ويصوغون له أولوياته الواجبة  ومن يضلون أبناءه ويشوشون وعيهم.

 


أصحاب الأقلام الشريفة للأسف قلة قليلة.. ورغم ذلك فلم ينالوا حقهم في التكريم تخليدًا لذكراهم بعد رحيلهم حتى يكونوا قدوة تحتذي بهم الأجيال الجديدة وتتذكرهم بالتقدير والعرفان وحتى تحتفظ بهم ذاكرة الوطن وتعصمهم من النسيان.. 

بل ربما استأثر أهل الفن والكرة بالتكريم لدرجة إدراج مسيرتهم في مناهج التربية والتعليم ليظلوا نماذج ملهمة وقدوة للأجيال.. أما أصحاب الأقلام والعلماء نبض المجتمع وضميره الحى فقد جرى إغفالهم وربما تغييبهم عن الذاكرة الجمعية.. ولا ندرى من المستفيد من ذلك.. فهل تبنى الأمم إلا بالعلم والفكر والإبداع الحقيقي؟!

الجريدة الرسمية