رئيس التحرير
عصام كامل

الحب المرفوض

أكثر من جريمة وقعت في البلد بسبب الحب ورفض الحب. رجل يحب امرأة، يتلطف ويتودد، ويتقرب بالهدايا والكلمات المنمقة، وبحاسة الأنثى تدرك المرأة إنه يحبها، ولكنها لا تجد في نفسها تلك القوة القاهرة تجذبها إليه. نعم ترد على مجاملاته بأدب ولطف، يتسع نطاق خياله، يتصور أنها باتت له، يبني أحلاما ويرى ليالي رومانسية، بينما هي لا علم لها بكل هذا الطوفان من الأخيلة.

 

هي لا تحبه، لا تراه، لو تحبه ستهرول إليه، لو تحبه ستتنفس أحلامه، وهو مستغرق في الأخيلة، واتخذ القرار الحاسم بالاعتراف بحبه، ليستمتع بلحظة تسبيل العيون وفرك الكفوف واحتضان النظرات. 


ينتظرها وهي خارجة من عملها، يخطو خلفها، يوازيها، يطلب منها أن تشاركه فنجان قهوة لأنه يريد أن يكلمها في موضوع.. هي مدركة ما يرمي إليه، لذلك اعتذرت بصرامة، وتركته مبتلا في خجله وخيبة أمله وسط الشارع. في المساء أرسل إليها صورة وجه يبكي ويقول لها: أحبك.

 

قصص الرفض والكراهية


حتى الصباح ظل يترقب ردها، فلم ترد، وكاد يفقد صوابه، فخرج اليها عند مواعيد خروجها من العمل، واستوقفها وقال لها أريد أن تكوني زوجة لي.. نظرت إليه طويلا ثم قالت إنها آسفة فهي في علاقة رسمية وشيكة!


لم يفهم رسمية ووشيكة، لكنه فهم أنها ترفضه.. صعب جدا على الرجل ذلك الإحساس بالرفض.. هو لا يفهم أنها مسألة قبول، لا مسألة أنا أنسب واحدا لك، فالمهم أنها تقبلك وأنت تقبلها. 


قصص الرفض تحولت إلى قصص كراهية وانتقام، فالتطرف في الحب من جانب واحد يخلق داخل المتطرف إحساسا بالامتلاك، ويجعل ما حول حبيبته سياجا، ويزرع من حولها ألغاما، تنفجر فيمن يقترب منها.. ومع استمرار الرفض يزداد مرض التعلق وتصبح الحيازة هدفا في حد ذاته، بل يهدد من يستحوذ عليها.


يزداد الموقف سوءا حين تدرك المرأة مدى تعلق الرجل بها، صحيح أن بعضهن يقدرن هذه المشاعر، ويحتفظن بصداقة قوية مع رجل يحب، لكن يحدث أن تستغل إمراة هذه المشاعر، وتمارس عليه فنونا من الابتزاز العاطفى، بل ربما تجعله مسخرة السهرة بين صديقاتها، ولو علم المحب العاشق أنها تسخر منه وتستهزئ بعواطفه وتفضحه وسط صاحباتها لتحول إلى وحش نافر كاسر قاتل.


ولأن حوادث قتل البنات والستات كثرت، من ذبح نيرة أشرف بالمنصورة، إلى إطلاق الرصاص علي نورهان داخل جامعة القاهرة، وحادثة قتل مماثلة وقعت بطريق صلاح سالم، وجميعها بسبب الحب المرفوض، فإن الدرس الذي لن تفهمه المرأة أبدا هو أن الرفض بقسوة يولد الكراهية والمقت فالقتل. 

 

كلما رفضته تمسك بها وتطرف في تمسكه ويتعلق بها، فيراها احتلت شرايين جسده كله، وهو غير راض عما هو فيه، غير راض عن إهدار كرامته، غير راض عن ضعفه، عن تعلقه، يكره نفسه ويود لو ينتحر، لكنه قبل ان ينتحر يقرر أن يتخلص من مرضه، من حبه، من التى استعصت عليه، فينحرها، وينتحر.

 


لا تحبوا بعمق ما لم تتلقوا نفس الدرجة العميقة من الحب.. أعط مشاعرك بحساب، ولا تفيض بها لمن لا يستحق.. كيف لكل هذا الحب أن يتحول إلى بغضاء وحقد وغل؟ سؤال لا إجابة له حتى يوم القيامة.. إنها النفس البشرية المعقدة.

الجريدة الرسمية