رئيس التحرير
عصام كامل

الإنجاب عندهم وعندنا!

لفت نظرى خبر غريب، لم يكن في الحسبان قط، على الأقل بالنسبة لمتابعي شئون الحرب والسلام في المشهد الدولي الحالي، وهو وقوع خلل في التركيبة السكانية الروسية، كأثر من الآثار الجانبية للحرب الروسية الأوكرانية!


فقد لاحظت القيادات الروسية بقلق شديد تناقص المواليد في روسيا بنسبة 3,6%، وتبين أن التناقص سببه عدم الاستقرار، أو عدم التأكد من استمرار الحياة بسبب سيطرة فكرة الموت على الشباب في العمليات العسكرية، فقد امتنع شباب كثيرون، حتى ممن هم خارج العمليات عن تكوين أسر بسبب الوضع القائم، إذ لا يعرفون مصير الطفل القادم ولا مصيرهم هم أنفسهم..


تناقص عدد السكان وبالذات غياب إنجاب الذكور، والشباب بصفة عامة قضية تؤرق أوروبا بصفة خاصة، والمانيا وبريطانيا دولتان يتراجع فيهما عدد الشباب ويحظى كبار السن بحياة أطول بسبب برامج الرعاية الصحية، ومن اللافت للانتباه أن ألمانيا فتحت باب الهجرة لمليوني مواطن، يجددون دماءها وعافيتها..


بطبيعة الحال، تؤدي الحروب والضغوط إلى الامتناع عن الانجاب، فالبال مسروق، والهم ضاغط، وعدم اليقين يسيطر علي النفوس، والنفس المشغولة لا يمكنها الإقبال على بناء أسرة، فهى مكبلة بالخوف من الموت، والفقر، وغياب الأمل..

مواليد مصر


إلا عندنا.. إلا في مصر.. لا حرب تسد النفس ولا سدتها، ولا فقر منع الخلفة الأرنبية، ولا هم ربط رجلا عن امرأته، بالعكس لدينا ثقافة غريبة جدا، وهي أن العلاقة الزوجية بديل النزهة والزهق، بل بديل الظلام، وقت أن كانت القرى مظلمة، فالنوم المبكر يعني طفلا زيادة، وكلنا نذكر يوم انقطع النور في الستينيات عن مدينة نيويورك لليلة واحدة، وفي الاحصاء السكاني تبين أن سكان المدينة زادوا بشكل ملحوظ جراء تلك الليلة المظلمة..


بالطبع النور دخل معظم قرانا والفلاحون يسهرون، وأهل المدن يسهرون ويشعشعون، فمن أين تأتي الزيادة المتقافزة قفز القرود والأرانب في مواليد مصر؟


بعون الله تنتج بيوتنا طفلا كل ١٥ثانية.. بينما يعاني أوربيون من فقر الانجاب، نعاني نحن من وفرة التكاثر.. نحن قوم لا هم منعنا، ولا فقر صد نفسنا، ولا نكد ضيع الليلة، فالهدف الرئيسي قائم وهو أن يحدث ما يحدث وكله برزقه!


لا تعرف روسيا ولا أوروبا فلسفة المواطن المصرى في التوكل علي الله وأنه من يعطي الرزق لكل مولود، بل تعرف هذه الدول أن خططها المستقبلية تتعرض لخطر داهم بسبب نقص الشباب وزيادة الأحياء من المسنين، وبالتالي فإنها مطالبة بمعالجة الخلل الديموجرافي، أي التركيبة السكانية المتوازنة، لمختلف الأعمار وتوزيعها، وهذا ما أجبر ألمانيا علي فتح ابوابها لتجديد شبابها والقوة العاملة..


قتلت الحرب الروسية الاوكرانية مئات الالاف من الشبان علي الجانبين، وهي بعد تعد حربا متوسطة، لأن الحرب الجامحة، كالحرب العالمية مثلا ستهلك عشرات الملايين، وستحتاج روسيا واوكرانيا من خمسة عشر عاما إلي ربع قرن كي تعوض الخلل الناجم عن امتناع الشبان والشابات عن تكوين أسرة، وانجاب أطفال، تأخذهم الحروب..

 


عندنا.. في عز الحروب، في عز الغلاء، لم ولا يتوقف المواطن المصري عن إنتاج الذرية الصالحة.. ما شاء الله.. عندنا طفل كل ١٥ثانية، وعندهم شاب كل ١٥سنة!

الجريدة الرسمية