حديث قلب
صندوق تشارلي شابلن أغاث أطفال الأرمن!
كل العالم انبهر من تشارلي شابلن كممثل كوميدي انجليزي ذاع صيته في زمن الأفلام الصامتة، وأصبح ايقونة عصره من خلال شخصيته الشهيرة المتشرد أو الصعلوك أو المتسكع، ويعتبر من الشخصيات البارزة في تاريخ صناعة السينما، وامتدت حياته المهنية لأكثر من 75 عاما..
لكن البعض قد لا يعرف الجانب الإنساني في شخصيته والتي اتسمت بالتعاطف مع البسطاء والمهمشين نتيجة طفولته التعيسة في لندن، ومعاناته للفقر الشديد والمشقة، ومن هنا فقد أحس بظلمهم، فحارب الاضطهاد بشتي صوره، وسخر ماله وثروته لصالح البؤساء، وكانت أسعد أيامه تلك التي قام فيها بأعمال انسانية، ومنها تأسيس صندوق لأغاثة أطفال الأرمن الناجين من الإبادة الجماعية خلال الحرب العالمية الأولى!
كان شارلي شابلن (1889-1977) من قلائل الفنانين الذين تناولوا تلك المعاناة وكشفوا عن أسبابها، وهذا هو السبب في شعبيته التي فاقت شعبية أي نجم آخر في تاريخ الفنون التمثيلية. وأبرز أعمال شابلن التي يظهر فيها هذا الجانب من النقد الاجتماعي فيلمان من أشهر أفلام السينما العالمية: «العصور الحديثة» (Modern Times (1936، و«الدكتاتور العظيم» (The Great Dictator (1940، وسوف نركّز في هذا المقال على تحليلهما.
نجومية تشارلي شابلن
عُرف فن التمثيل منذ العصور القديمة، لكن القرن العشرين هو الذي حول الممثل إلى نجم، وذلك بفضل وسائل الإعلام الحديثة التي عملت على تحقيق انتشار لم يسبق له مثيل للأعمال الفنية. حولت هذه الوسائل الجماهيرية الممثل إلى نجم جماهيري.
وأدرك شارلي شابلن هذه الخاصية الجديدة للإعلام الحديث، وخاصة لفن السينما، منذ زيارته الأولى للولايات المتحدة سنة 1910. كان شابلن قد بدأ في تمثيل شخصية الصعلوك The Tramp على مسارح لندن منذ 1906، وحولها إلى الشخصية السينمائية المعروفة بعد أن انتقل إلى الولايات المتحدة للعمل في استديوهاتها سنة 1914.
وشابلن هو أول نجم جماهيري على نطاق عالمي، وآخر نجم بهذا المقياس في نفس الوقت، ذلك لأنه لم يحدث أن ظهر بعده نجم حقق مثل هذا الانتشار العالمي؛ والسبب في ذلك يرجع إلى أنه مثَّل رجل الشارع The Common Man، ونجح في تحقيق هدف توحد الجماهير معه.
وبذلك أحدث تغييرًا جذريًا في مفهوم النجم، فليس النجم لدى شارلي شابلن هو البطل المغامر الذي تجده الجماهير بعيدًا عنها ولا تستطيع هي الاقتراب منه، بل هو الرجل البسيط، الصعلوك الذي تستطيع القاعدة العريضة من الجماهير أن تتوحد معه وتجد فيه نفسها. وتظهر ثورية شخصية الصعلوك عندما نلاحظ أن شارلي شابلن قد أدخل هذه الشخصية في السينما الأمريكية عندما كان نموذج البطل فيها هو راعي البقر وما يمثله من قيم القوة والإقدام والعنف.
إن شخصية شارلي شابلن الصعلوك هي على النقيض تمامًا من راعي البقر، فهي تمثل الوداعة في مقابل إرادة القوة، والسذاجة المفرطة في مقابل مكر ودهاء راعي البقر، والعاطفة الإنسانية والحب للجميع في مقابل الشراسة والرغبة في قتل الآخر (الهنود الحمر)؛ ومن هنا كان شارلي شابلن غريبًا عن الثقافة الأمريكية وتمجيدها للقوة والعنف، ولذلك لم يستطع التكيف أبدًا مع المناخ الأيديولوجي هناك، وكان ذلك سببا لحملات الهجوم عليه من قبل الصحافة الأمريكية منذ العشرينيات.
صندوق تشارلي شابلن لإغاثة أطفال الأرمن
ولنأتى إلى قصة صندوق تشارلي شابلن لإغاثة أطفال الأرمن الناجين من الإبادة الجماعية ففي أعقاب الإبادة الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، تولت منظمة خيرية أمريكية تسمى إغاثة الشرق الأدنى (NER) مهمة تقديم المساعدة الإنسانية للناجين من المأساة.
كان الشرق الأدنى في حاجة إلى إغاثة عاجلة. دفعت محنتهم المروعة جاكي كوغان، إلى جانب أعضاء آخرين في المهنة المسرحية، إلى التبرع بملابسهم غير المرغوب فيها إلى "مليون ونصف لاجئ أرمن خشن يتضور جوعًا" يواجهون شتاء قارسًا في عام 1921. وقد جذب هذا العمل اللطيف انتباه المخرجين. من NER، الذي أطلق على جاكي لقب ظاهرة الأطفال التي تحولت إلى "فاعلة خير".
مهنة تشارلي شابلن السينمائية ليست الشيء الوحيد الذي يجب ان نتذكره. قليل من الناس يتذكرون بالفعل أنه في سنوات الإبادة الجماعية للأرمن، أنشأ تشارلي شابلن صندوقا لمساعدة الأطفال الأرمن. لقد تبرع بجميع أرباحه تقريبا لهذه المؤسسة.
في عشرينيات القرن العشرين، قام تشارلي شابلن بجولة في البلدان الأوروبية، جمع فيها مليون دولار نقل المبلغ بأكمله إلى مؤسسة الإغاثة الخاصة به لمساعدة الأيتام الأرمن واليونانيين الذين فروا من الإمبراطورية العثمانية. زار هؤلاء الأطفال شخصيا وساعد في بناء ملاجئ لهم.
أيضا، كان النجم المشارك لشابلن من فيلم "الطفل" The Kid، (الممثل الطفل)، جاكي كوجان أيضا دور فعال جدا في جهود صندوق إغاثة الشرق الأدنى (NER) في أوائل عشرينيات القرن العشرين. كانت مهمة NER هي بذل الجهود الإنسانية للناجين واللاجئين من الإبادة الجماعية للأرمن.