بكفاية زفت بقى يا سي السيد!
والله وصدقت الست أمينة في ثلاثية نجيب محفوظ وهي بتقول لجوزها: بكفاياك زفت بقى يا سي السيد!. بعد أن طالبها بتقديم المزيد من فناجين القهوة السادة التي تجرع منها الكثير خلال ساعات قليلة، فما كان منها إلا أن قالت له: بكفاياك زفت بقى يا سي السيد!.
والحقيقة أنني مضطرة لاستخدام نفس جملة الست أمينة لأكررها صراحة لسي السيد الذي لا أعرف اسمه ووظيفته، ولا موقعه وهل يعيش بيننا في مصر أم أنه يعيش وحده في البلاد المحجوبة يصدر أوامره ليلا، لنصحو في الصباح لنجد أن شوارعنا أصبحت بلا أشجار!
حتى أنه لم يترك شارعا في مصر لم يأمر بقطع أشجاره من جذورها، تاركا الناس في الشوارع تشتعل من لهيب حرارة الصيف القائظ، دون وجود ظل شجرة يحتمون به، ولا أعلم يقينا هل الأمر الناهي بقطع الأشجار يعلم أم يجهل أن الأشجار تحمي البشر من عوادم السيارات القاتلة التي تبث سمومها في الهواء مخلفة آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون القاتل، والمتسبب في أمراض سرطان الرئة لدى البشر..
وفوق كل هذا وذاك.. لا أعلم مدى جهل أو علم الأمر بقطع الأشجار بأن وجود الشجر يقلل من درجات حرارة الجو الحار، إضافة لكونه مصدرا للجمال واتزان البيئة، لا تحققها الكافيهات والأكشاك التي يتم إنشاؤها مكان الأشجار المقطوعة من جذورها!
قرارات عشوائية
بكفاياك زفت بقى يا سي السيد.. وبكفايانا نحن أيضًا تحملا لقرارات عشوائية من أشخاص مجهولين، ولمسئولين نتحمل وحدنا طيش قراراتهم غير المدروسة، دون أن يتحلى أحد منهم بشجاعة الإعلان عن مسئوليته عن هذه القرارات المخجلة!
والسؤال الذي يحضرني دائمًا ولا أجد له إجابة هو: من منح الحق لأي مسئول صاحب قرار في هذا البلد أن يعيد تشكيل شوارعها وفقًا لأهوائه الشخصية وعلى ذوقه الشخصي وكأنها شقة في منطقة شعبية في بيت قديم يتشارك سكانه حماما واحدا؟! دون احترام لرؤية وذوق الشعب المصري المتضرر الوحيد من هذه القرارات، وهذا الذوق الصحراوي الذي يفتقر لأبسط قواعد الذوق والجمال.
ويتجاهل جهاز التنسيق الحضاري، وأساتذة تخطيط المدن آراء أساتذة الهندسة والتخطيط، وكل من يفهم في الفن والعمارة، معتبرا أنه الأكثر فهما وعلما.. عملا بنظرية اسأل مجرب ولا تسأل طبيب! والعلم في الرأس مش في الكراس!
بكفاياك زفت بقى يا سي السيد.. يا من تتخيل أن تعيد تشكيل شوارعنا ومدننا، بتجريد الشوارع والميادين من الأشجار والورود، وتحويلها إلى شوارع قاحلة تفتقر إلى كل لمسة من الفن والذوق والجمال، ويستبدل الحدائق الصغيرة بأكشاك وكافيهات قبيحة..
وأي رؤية هندسية أو إبداعية أو مهلبية تلك التي تقيم كافيهات تحت الكباري، دون الاهتمام بقواعد الأمن والأمان والاشتراطات البيئية، ودون مراعاة وجود أماكن لانتظار سيارات رواد مثل هذه الكافيهات، التي من المستحيل وجودها نظرا لموقعها تحت الكباري التي توجد دائمًا في منتصف الشارع حيث لا مكان لانتظار أي سيارة، فأين الفكر وأين التخطيط؟!
بكفايانا زفت بقى يا سي السيد وبكفاياك زفت.. لأن مافيش بلد في كل بلاد الكون ولا في جزر الواق واق.. وبلاد ما وراء الشلاحات يتفنن في زراعة القبح في كل مكان مثلما يحدث اليوم في شوارعنا ومياديننا، قصورنا التاريخية يتم تأجير قاعاتها لإقامة حفلات العشاء والغداء، بدلا من الاحتفاظ بقيمتها التاريخية وفتحها كمتاحف للجمهور، شواطئنا الجميلة تحول بعضها لجراج للسبارات في واقعة لم تحدث في أي مكان في العالم!
كفايانا زفت بقى يا سي السيد.. الذي لا أعرف اسمه ولا وظيفته ولكن أعلم أن نفوذه ماض كالسيف في تشويه كل معالم مصر التي نحبها، وإخفاء معالم ميزات شوارعها وميادينها، كفايانا زفت.. وكفاياك تعليمات وأوامر بالتشويه وإفشاء الذوق الرديء والقبيح في كل مكان.
كفايانا زفت بقى يا سي السيد.. فقد اكتفينا من ذوقك الذي تأنف منه أفقر الدول في أفقر قارات العالم، فلم تعد معدتنا تتسع لمزيد من الزفت يا سي السيد!