للتوبة شروط.. وللقبول دلائل وعلامات!

إذا سلمنا بأن ما نحن فيه من بلاءات من صنع أنفسنا.. فلن يرفع ذلك إلا بتوبة ولن تتحقق التوبة النصوح إلا بإقلاع كل فرد عن أخطائه وذنوبه كلها، والندم عليها، والعزم على عدم العودة إليها، وأن تكون التوبة  طلبًا لثواب الله ورحمته، وخوفًا من عذابه وعقوبته، يقول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ". 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ"، فإذا كان رسول الله وهو المعصوم يتوب إلى الله في اليوم 100 مرة فما بالك بنا نحن الذين نرى أخطاءنا ونعرفها ونعترف بها لكننا نؤجل التوبة وتغرنا الحياة الدنيا.. 

نعصي ثم نتوب، ثم نعود للمعصية، ثم نحزن على فعلها لكن يغلبنا الهوى، وتجذبنا العادة ونراوح مكاننا بين رغبة في التطهر وعجز عن الخروج من دائرة  الغواية التي لا نقوى على فراقها.. نحن تنقصنا الإرادة والعزيمة حتى لا تخذلنا أنفسنا وتقودنا للتهلكة والخسران. 

الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك ما فاتك من الخير بسبب المعصية يعتبر إصرارًا ورضا بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك.. ولن تنصلح النفس إلا بتوبة صادقة تجبّ ما قبلها. 

شروط التوبة

للتوبة  النصوح شروط؛ أولها أن تكون خالصة لله؛ بالإقلاع عن المعصية والندم عليها والعزم على عدم الرجوع إليها، ولا بد أن يكون هذا كله من أجل الله عز وجل، رغبة في ثوابه، وخشية من عقابه.. وليس من التوبة مثلًا أن يقلع أحدهم عن الاتجار بالمخدرات، خوفًا من مطاردة الشرطة، ومن العقوبة التي تنتظره، فذلك لم يكن تائبًا، ولا كان إقلاعه توبة.. 

ومن أقلع عن القمار؛ لأنه خسر ماله فيه، وأفلس وضاعت ثروته، لم يكن ذلك توبة منه، ولا يدخله ذلك في عداد التائبين. لكن إذا تحركت في قلبه بواعث الإيمان، وجعلته يراجع نفسه ويتذكر آخرته، فتاب عند ذلك، فتلك توبة يرجى لها القبول.

الشرط الثاني لقبول التوبة هو الندم على ما سلف من أخطاء، فعدم الندم على القبيح دليل على الرضا به، والإصرار عليه.. أما الشرط الثالث فهو الإقلاع عن الذنوب؛ فلا توبة مع مباشرة الذنب؛ فمن يستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه.. 

والشرط الرابع هو الاعتذار، وإظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلًا به، ولا إنكارًا لإطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته سبحانه وتعالى، واتكالًا على عفوه، وحسن ظن به، ورجاء لكرمه، وطمعًا في سعة حلمه ورحمته.."إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ"..

يقول أبو جعفر"إنما التوبة للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نـزول الموت بهم". 

أما خامس شروط التوبة فهو الاستدراك ورد الحقوق؛ حقوق الله عز وجل، وهي إما أوامر وطاعات قد قصَّرت فيها ويجب عليك تعويضها بعد الاجتهاد والتحرى بقضاء الفروض التي تركتها أو أديتها ناقصة وكثرة صلاة النوافل والسنن، أو معاصي ارتكبتها ويجب أن يحصيها الإنسان ثم يسعى في تكفيرها كلها.. 

حقوق ومظالم الناس فقد شدد الشرع فيها ما لم يشدده في حقوق الله عز وجل، وقد وجب على التائب أن يرد الحقوق إلى أصحابها إن كانوا أحياء، أو إلى ورثتهم إن ماتوا.. فإن لم يستطع ردها فليستحل منه بعد إعلامه بها، إن كان حقًّا ماليًّا أو جناية على بدنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). 

فإن لم يسامحه صاحب الحق ويتحلل له فعليه أن يسعى ما استطاع في تحصيل هذا الحق ورده إلى صاحبه.. فإن لم يجد أصحاب الحقوق ولا ورثتهم، فعليه أن يتصدق بهذه الحقوق عن أصحابها، ويدفعها إلى الفقراء والمحتاجين، أو إلى جهات الخير ومصالح المسلمين.

التوبة الحق بداية الصلاح؛ وللتوبة المقبولة علامات؛ أن يكون المرء بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها، وأن يظل الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن تفيض روحه إلى بارئها..
 

ولا يُرفع بلاءٌ إلا بتوبة!

هل هو مجرد جذب أنظار؟!

فإذا تحققت التوبة رق قلب المرء وتقطع ندمًا وخوفًا.. وفي ذلك يقول عمر رضي الله عنه: "اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة".. فما أصعب التوبة الصحيحة بالقلب، وما أسهلها باللسان.. لكن أيهما أحب إلى الله وأدعى لقبوله وعفوه وغفرانه ومن منا لا يحتاج رضوان الله وعفوه.. اختر لنفسك ما تشاء.. فكل نفس بما كسبت رهينة.. اللهم تب علينا برحمتك لنتوب وتنصلح أحوالنا!