آب اللهاب في الساحة
تستخدم دول المشرق العربي، العراق ولبنان وسورية والأردن وفلسطين، التقويم السرياني، وفيه يسمى شهر أغسطس "آب"، ونظرا لشدة حرارته، يقال في العراق "آب يحرق المسمار في الباب"، بينما يقال في لبنان "جاكم آب اللهاب"، وهو قولًا وفعلًا لهاب بأحداثه وحرارته في لبنان.
اكتوى لبنان بلهيب آب، قبل ثلاث سنوات، في انفجار مرفأ بيروت، وتجدد اللهيب هذا الشهر باشتباكات مسلحة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، ورغم هدوئها فهي مرشحة للانفجار في أي لحظة، وقد تتوسع لتشمل بقية مخيمات اللاجئين في لبنان..
ونتيجة توتر الوضع الأمني دعت دول الخليج مواطنيها لعدم السفر إلى لبنان، ومن يقضي الصيف هناك يسرع بالمغادرة، ما يزيد الصعوبات الاقتصادية، لأن لبنان يعول كثيرا على الرواج السياحي الصيفي، لإنعاش الوضع المالي والاقتصادي المأزوم.
زاد لهيب آب، بتحذير رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من عدم توفر رواتب للموظفين ولا دواء بنهاية آب ما لم يقر مجلس النواب الخطة المالية والاقتصادية لإنقاذ البلد، فضلا عن تهديد إسرائيل، أمس، بإعادة لبنان إلى العصر الحجري في أي حرب تدخلها مع حزب الله، بعد مناوشات الأسابيع الماضية، واكتمل اللهيب مع تخفيض وكالة فيتش، تصنيف لبنان الائتماني إلى حالة التخلف عن السداد.
يعلم الجميع أن لبنان مختطف من قبل حزب الله لصالح إيران، ولا يمكن تمرير قرار واحد في البلد دون موافقة ومباركة إيران، ومنذ سنوات طويلة جعلت قوى عالمية عدة، بما فيها دول مشرقية، لبنان ساحة لتصفية حساباتها مع الآخرين وإبراز قوتها وتأثيرها في أراضيه وعلى حساب سيادته كدولة.
وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة ميقاتي، حين رأى أن توقيت الاشتباكات الفلسطينية قي مخيم اللاجئين قرب مدينة صيدا جنوبي لبنان، مشبوه، وقال: أحداث عين الحلوة تندرج في سياق استخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين، كما أن تزامن الاشتباكات مع الجهود التي تبذلها مصر لإنهاء الخلافات الفلسطينية، هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقا لها.
الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت
وجود مخيم اللاجئين قرب مدينة صيدا الجنوبية، يعني أنه في عقر دار حزب الله، وبما أن قادة الفصائل الفلسطينية تتولى أمن وتأمين المخيم ذاتيًا، فالاشتباكات تهدف لتأكيد أن المخيم بؤرة خارجة عن سيطرة الدولة، وهو ما قال عنه الرئيس محمود عباس، بعد اشتباكات مسلحة سابقة السلاح الفلسطيني خارج مخيمات اللاجئين ضد لبنان ووجوده داخل المخيمات ضد فلسطين.
تزامن الاشتباكات مع سعي مصر لمصالحة الفصائل الفلسطينية، يؤكد أن أمر التناحر جاء من إيران عن طريق ذراعها اللبناني حزب الله، لإجهاض محاولات مصر لتوحيد كلمة الفلسطينيين، وانتقال القرار الفلسطيني إلى إيران، التي تسيطر على جانب كبير من مقدرات البلد المحتل عن طريق ذراعها في غزة -حماس، وليس بعيد عنا زيارة إسماعيل هنية، إيران قبل أقل من شهرين واجتماعه مع الولي الفقيه علي خامنئي، كما زار مخيم عين الحلوة مرات عدة وأمضى فيه أيام طويلة خلال الأشهر الماضية.
إيعاز ميقاتي، للجيش اللبناني بحفظ الأمن في صيدا واحتواء اشتباكات مخيم الفلسطينيين، أنهى الأزمة مؤقتًا التي ربما تشتعل لاحقًا في بقية مخيمات اللاجئين عن طريق أذرع إيران -حزب الله وحماس، خصوصا أن إيقاف الاشتباكات أكد الثقة في قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، وزاد حظوظه في أن يصبح رئيسًا للجمهورية، في ظل سعي إيران لفرض سليمان فرنجية رئيسًا، باعتباره حليف حزب الله وسورية، في تكرار لسيناريو ميشال عون ومعه صهره جبران باسيل قبل 7 سنوات، ومن أجل هذا يعمل حزب الله على إطالة أمد الشغور الرئاسي.
مرور الذكرى الثالثة على انفجار مرفأ بيروت، في 4 آب، دون إحراز تقدم يذكر في تحقيقات أكبر كارثة إنسانية في السنوات الأخيرة، يؤكد أن العدالة عرجاء، وهناك من يخشى سلاح حزب الله والسلاح المتفلت في مخيمات اللاجئين، وأن هناك إصرارا على عدم إنهاء التحقيقات ومحاكمة الجناة، الذين يعرفهم الجميع لأنهم يسيطرون على المرفأ ويتحكمون بما يحويه من أطنان نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار، التي يستخدمونها في تصنيع المتفجرات لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، وتصديرها أيضًا إلى بقية الميليشيات الموالية لإيران في الدول العربية التي تسيطر عليها.
يجب على حكومتنا، أخذ العبرة مما يحدث في لبنان، الذي استقبل مئات آلاف اللاجئين وبعد سنوات أصبحوا ملايين من دول مجاورة، بينهم الخارجين على القانون والمرتزقة وأصحاب السوابق والموالين لجماعات بعينها والمتشددين، وكلهم يعبثون بأمن البلد ويعيثون فيه فسادا وإجراما ويستنزفون موارده، ويضيقون على الشعب صاحب الأرض والبلد في معيشته، دون القدرة على التخلص منهم بعدما بات وجودهم أمرأ واقعًا.