المشاركة السياسية ما بين تقدم وتخلف الشعوب
على الفرد أن يعى أن ممارسة الحرية السياسية ممارسة فعلية تقتضى أن يمد يده إلى غيره من أفراد المجتمع السياسى بغية المشاركة فى صياغة السياسات والقرارات واختيار الحكام وأعضاء المجالس النيابية.
المشاركة السياسية تبدأ من حق الفرد فى التصويت وتمر بالمشاركة فى المناقشات السياسية وتقديم الشكاوى والاقتراحات واكتساب عضوية التنظيمات الشعبية والترشيح للمناصب العامة وتنتهى بالوجود الفعلى فى بنية السلطة..
الممارسة السياسية البناءة لأحد أو كل هذه الأنشطة تتطلب إقناعا بضرورة وجدوى المشاركة، بحيث ترتقى إلى مرتبة الالتزام والواجب، وبالإضافة إلى الإقناع بضرورة المشاركة فإن هذا العنصر يستلزم أن تكون تلك المشاركة بوعى وإيجابية.
وهذا يعنى أن يكون أفراد المجتمع السياسى يتمتعون بقدر معقول من الثقافة، فحق الانتخاب على سبيل المثال قد صار حقا عاما لجميع المواطنين، ولكن هذا الحق يفقد معناه وقيمته إذا لم يكن هؤلاء المواطنون على قدر من الفهم والإدراك بحيث يتمكنون من فهم المشكلات الأساسية التى يصوتون عليها..
ومن هنا لا بد أن نعى أن الحرية السياسية لا يمكن أن تؤتى ثمارها كاملة إن لم تكن معظم الشرائح الاجتماعية قد وصلت إلى مرحلة معينة من الثقافة.. وصول الشرائح الاجتماعية إلى ذلك القدر من الثقافة الذى يؤهلها للاستعداد للمشاركة السياسية مشاركة فعلية لا يأتى من فراغ، بل مرتبط بالتقدم الاقتصادى والاجتماعى، خاصة أن التخلف فيهما يجعل الفرد منشغلا بإشباع حاجاته الأساسية، فتستغرق وقته وطاقته، فلا تترك له الوقت اللازم والكافى للمساهمة فى الحياة السياسية.
وعلى عكس هذا الوضع يوفر التقدم الاقتصادى والاجتماعى الظروف الملائمة للتقدم المعرفى الملازم لاستعداد الفرد فى المشاركة السياسية، لأن التقدم فى هذين المجالين يحرر الإنسان من العمل المتواصل والانشغال المستمر ويسمح بفترات من الفراغ يمكن استغلالها فى التعليم واكتساب الثقافة..
كما أن التقدم الاقتصادى والاجتماعى يوفر الوسائل المادية لنشر الثقافة.. وانطلاقا من هذه الحقائق المساعدة والملائمة للاستعداد فى المشاركة السياسية نرى أن الشعوب المتخلفة لا تتمتع بالحقوق السياسية التى تتمتع بها الشعوب المتقدمة.