رئيس التحرير
عصام كامل

نصف قرن على انتصار أكتوبر

أسابيع قليلة وسيكون انتصار أكتوبر قد مر عليه نصف قرن، وكنت أتوقع أن يكون عام 2023 هو عام انتصار اكتوبر، فرصة لنحيي أيام هى الأعز في تاريخنا الحديث، نتعلم منها، ونذكر الأجيال الجديدة بها، ولكن يبدو أننا لا نعرف كيف نعلم أبناءنا تاريخ آبائنا الذين صنعوا النصر وأذلوا العدو، بالرغم ان هذا الحدث لو كان في أى بلد فى العالم لاقيمت الاحتفالات والحوارات لاستخلاص العبر والدروس.

 

بالعودة إلى التاريخ، لم يكن يشغل الشارع المصرى منذ ما حدث فى الخامس من يونيه 1967 إلا الثآر وتحرير الأرض، فقد فشل العدوان الصهيونى في كسر الارادة المصرية، بل إن خسارة معركة يونيه 67 كانت بمثابة الشرارة التى اشعلت روح التحدى لدى الشعب المصرى قبل قيادته وقبل المقاتل الذى يواجه العدو على خط النار.. 

Advertisements

 

يقول اللواء محمد عمر أحد ابطال انتصار أكتوبر العظيم: عندما عدت من الجبهة إلى غرب القناة وجدت كل الجنود والضباط في حالة من الذهول والحزن، فصرخت فيهم، وطالبتهم بالخروج للشارع حتى يعرفوا أن الشعب بالرغم مما حدث إلا أنه يريد الثآر والحرب وتحرير الارض، وهذا لن يكون بالجلوس حزانى، افيقوا واستعدوا لمعركة الثآر والتحرير من الآن.

 

هذا حدث بعد أيام قليلة من هزيمة يونيه، وأذكر هنا أن أحد المراكز البحثية الألمانية أشارت إلى الانسان المصرى الجريح الذى لم يفقد إرادته وتصميمه على القتال وظهر ذلك في معركة رأس العش بعد ثلاث أسابيع فقط من هزيمة يونيه، وهذا أعطاه إمكانية العودة لاستعادة الثقة ليعود إلى ميدان الصراع والمواجهة  فهو إذن لم ينهزم بل هو ـأكثر من ذلك ـ استعاد قوته فرصتها من جديد حتى في إحراز النصر, هذا كان دليلا قويا على فشل حرب يونية 67 من كسر ارادة المصريين.

حرب الاستنزاف


ويستكمل الرئيس السادات الاستعداد للحرب بالرغم من كل الصعوبات لإنه لا خيار أمام مصر سوى الحرب والنصر،  ومع بدء العد التنازلى لمعركة النصر، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، فى تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للمعركة، لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها فى جميع المجالات استعدادا للحرب.

 

وعلى الرغم من حالة الحرب التى كانت تعيشها مصر على مدى 7 سنوات، واحتلال العدو سيناء، فإن الاقتصاد المصرى فى مطلع عام 1973 كان يشهد حالة من الاستقرار، وهو ما يظهر في البيانات التى أعلنها أحمد زندو، محافظ البنك المركزى، ونشرت فى جريدة الأخبار بتاريخ 13 من يناير 1973، والتى أكد فيها سداد مصر جميع التزاماتها الدولية فى موعدها.  

 

كذلك ارتفع إجمالى ودائع البنوك إلى 400 مليون جنيه، من بينها 27 مليون جنيه شهادات استثمار عائلى، كما لم تتجاوز زيادة أسعار السلع الاستهلاكية 2% بالنسبة للجملة و4% للقطاعى، وفى 16 يناير أعلنت وزارة التخطيط وضع خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6%، مع التركيز على الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية، على رأسها تخصيص 100 مليون جنيه للتعاقد على تنفيذ مشروع مترو الأنفاق لمدة تصل لـ10 سنوات، واعتماد 50 مليون جنيه لمشروعات القطاع الخاص، هذا كله يؤكد أن مصر التى انتصرت في اكتوبر 73 تملك من الارادة والطموح فى المستقبل الافضل.

 

ومن الرجال الذين لم يدرك الكثيريين دورهم فى انتصار اكتوبر العظيم الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء الاسبق، الذى عمل وزيرا مع الزعيم جمال عبدالناصر ورئيسا للوزراء مع السادات، يقول: لا يمكن الحديث عن انتصار اكتوبر دون العودة إلى رؤية الدولة المصرية بعد النكسة وأخص محورين، الاول محور تطوير القوى البشرية بمعنى رفع مستوى الكفاءة القتالية بدأت بتجنيد المؤهلات العليا والمتوسطة مما كان له نقلة نوعية فى مستوى المهارات واستيعاب الحديث فى السلاح والحرب المتطورة.

 

الثانى تعظيم القدرة الاقتصادية حتى لا تفلس مصر وهذا يعنى استمرار برامج التنمية بنفس معدلاتها قبل النكسة، بالرغم من انخفاض الاستثمارات بعد النكسة مباشرة، ولذلك بدأنا فى تعبئة الموارد لكى نرفع كفاءة الاقتصاد المصرى، وهنا لابد من الاشارة إلى أمر في غاية الاهمية، وهو دور القطاع العام فى المجالين المدنى والعسكرى، فقد كان له الدور الاكبر فى توفير كافة متطلبات القوات المسلحة والمجتمع المدنى منذ حرب يونية 67 وحتى انتصار اكتوبر العظيم.. 

 

فقد كان سيطرة الضرائب على الموارد الداخلية أمر سهل لان القطاع العام لن يتهرب من الضرائب، وهكذا تمكنا من توفير الموارد لدعم معركة التحرير، وفى هذا المجال سأذكر مثالين، الأول عندما قال لى الرئيس جمال عبدالناصر: نريد بناء حائط للصواريخ وهذا يحتاج مائة مليون جنيه! 

 

على الفور تم تدبير المبلغ وتوفير الدعم من القطاع العام بكل قوته، وتحت وابل من القنابل والقصف اليومى استطاع الانسان المصرى تحدى أصعب الظروف من اجل تراب وطنه، وهذا يدل على قدرة هذا الشعب على العطاء، والجميع يشهد بفاعلية حائط الصواريخ في انتصار حرب اكتوبر..

 

 

وهنا لابد من الاشادة بالشعب المصرى لانه هو الذى خاض المعركة بعزيمة وإيمان، ضحى بكل شىء في سبيل تقوية ودعم القوات المسلحة، ولم تكن هناك المشاكل الخاصة بالطوابير أو خلافه على المواد الغذائية والسلعية، وبسبب القطاع العام كان هناك سيطرة على أسعار المواد الضرورية والأساسية.

الجريدة الرسمية