من قصص زعيط ومعيط ونطاط الحيط
كنا صغارا يُحكى لنا من القصص الشعبى واحدة من إبداعات العقل المصرى تحت عنوان «زعيط ومعيط ونطاط الحيط»، وكان زعيط قد اشتهر بالفهلوة بين ثلاثتهم، أما معيط فكان «كسيب»، واشتهر بإبداعاته فى خلق مجالات كسب غير معهودة للعامة أو الخاصة، أما نطاط الحيط فكان لصًّا ماهرا.
وما يهمنا هنا هو موقف «الكسيب» أو الذى يكسب من الهواء والماء وما يحيط بهما، فهو الذى يربح من الأزمة ومن الانفراجة، ويستطيع أن يخلق لنفسه دورا ويفرضه فرضا بحيث يحقق أكبر قدر من الأرباح ويحصِّل من الأموال كل شاردة وواردة.
وأظن، وبعض الظن إثم وأغلبه ليس كذلك، أننا نعيش زمن الثلاثة، انظر حولك ستجد نفسك وقد أحيط بك من كل جانب، سر فى أي اتجاه ستلتقى بواحد من الثلاثة، إن لم تلتقِ بهم جميعا، فى المصالح الحكومية أو غيرها سترى نفسك محاطا بـ«زعيط، ومعيط، ونطاط الحيط».
والثلاثة استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم على كل جنبات حياة المواطن فقيرا كان أو غنيا، عاملا كان أو عاطلا، شابا كان أو شيخا، وبقراءة متأنية فيما يجرى من حولنا ستجد أن الثلاثة قد أصبحوا واقعا مفروضا، وإذا كان بعضنا قد رأى أن عصر مبارك كان الفساد فيه للركب فإننا نعيش عصر الثلاثى المدهش بلا هوادة وحتى العنق.
تبدو غرابة القصة من تشابه اسم معيط «الشعبى» مع معيط «الرسمى» الذى أصبح وزيرا للمالية، وقد عرفناه منذ أن كان يتردد على استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي يسائل المُعدِّين ومقدمى البرامج فرصة يظهر فيها ليقدم نفسه محللا وفقيها اقتصاديا، وقد كللت جهوده بأن أصبح وزيرا للمالية.
معيط الرسمى أو الوزير شهر بين العامة بأنه قادر على فرض ضريبة على كحل العين وفرض رسوم على التوبة، أي والله، فإذا أردت أن تعتمر سعيا من أجل التوبة فإن للحكومة رأيا آخر، حيث يجب على الساعى من أجل التوبة أن يدفع عن ذلك رسوما تقدر بآلاف الجنيهات فيما يسمونها بـ«كود العمرة».
والحقيقة أن ضبط أداء المواطنين الساعين للتوبة كان بحاجة إلى ضبط إيقاع حكومى، فالتوبة لا يمكن تركها هكذا دون ضابط أو رابط، وإلا تحول المجتمع كله إلى تائبين، فيتسبب ذلك فى ندرة مجتمع اللصوص والهليبة والحرامية والنشالين وكل الفئات التى تحتاج الحكومة إليها فى أداء دورها!
الجديد فيما يفعله معيط الرسمى تعديلات القانون ٣٠ لسنة ٢٠٢٣ بتعديل أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون ٩١ لسنة ٢٠٠٥، رأى الرجل أن مصر على أبواب موسم سياحى جيد بعد فترة من الصيام السياحى، فقرر أن يجد لنفسه موضع قدم فى تورتة السياحة المكبلة أصلا بالرسوم والضرائب وغيرها من افتكاسات الدولة الجهنمية.
وخلاصة ما وصل إليه السيد محمد معيط وزير المالية من تعديلات أنك إذا أردت دخول السينما فعليك دفع ٥٪ من مقابل الدخول، ونفس النسبة على المسرح وعروض الأوبرا وعروض السيرك المصرى، أما الحدائق والملاهى والألعاب والفرجة فإن النسبة تقفز إلى ١٠٪، وأيضًا نفس النسبة من حفلات الأندية الرياضية والاجتماعية والألعاب أيا كانت وسيلة تشغيلها، وألعاب السحرة والحواة، أي والله والحواة.
وفى حال دخولك إلى أي مطعم فعليك أن تسأل إن كان المطعم لديه مشغل موسيقى.. ليه؟ لأن أي مطعم يشغل موسيقى سيفرض عليك ٥٪ من مقابل الدخول.. طيب وماذا لو أن دخول المطعم بدون رسوم دخول؟ ستدفع حينها ٢٠ جنيها حدا أدنى، وأيضًا حفلات الديسكو وأوركسترا السيمفونى وحفلات الموسيقى العربية التابعة للأوبرا!
أما عروض السيرك الأجنبى فإن النسبة تقفز إلى ١٥٪ من مقابل الدخول، و٢٠٪ على التزلج على الجليد أو على الماء أو البالون الطائر، أما الوحدات البحرية فوق أو تحت الماء فإن النسبة تصل إلى ١٥٪.
والجديد لدى السيد وزير المالية معيط الرسمى أن البندين الثامن والتاسع المرتبطين بالحفلات والعروض الغنائية وحفلات الديسكو فإن الدولة ستحصل ٣٠٪ من قيمة المأكولات والمشروبات التى تقدم فى هذه الحفلات إذا كان الدخول حرًّا!
والسيد معيط الرسمى أو الحكومى سيتسبب فى كارثة للسياحة التى تتعافى بعد طول انتظار، غير أن سيادته لا يعبأ بذلك على الإطلاق، فالأهم هو أن يحصل على الأموال كما كان يفعل معيط فى الأثر الشعبى الذى توارثناه جيلا بعد جيل، والنتيجة أن غرفة المنشآت السياحية ستنفجر يوم الخميس المقبل ببيان حاسم ضد افتكاسات «معيط» وشقيقيه «زعيط» و«نطاط الحيط».
المثير أن هذه الضرائب والرسوم تدفع، وقبلها يدفع أصحاب هذه المنشآت سلسلة رهيبة من الضرائب، منها القيمة المضافة والأرباح التجارية وضرائب كسب العمل وصندوق الطوارئ والمساهمة التكافلية وضرائب الدمغة وضرائب توزيع الأرباح وصندوق الشهيد.. باختصار فإن معيط يفرض ضرائب على الضرائب!