الآن يمكننا الحديث مع الموتى!
يمكننا الآن الحديث مع الموتى! الآن يمكن للمتوفى أن يشارك فى جنازته ويتفاعل مع المشاركين!
لم يعد الأمر يتعلق بالأحياء مثل الركوب فى سيارة بدون سائق، أو من تجده ينوب عنك في رسم اللوحات أو كتابة مقال أو إجراء العمليات الجراحية المعقدة.. لم تعد المشكلة فيمن ينوب عنك في تقرير العديد من أمور حياتك حتى إذا حدث خطأ مقصود أو غير مقصود، لكن الكارثة الكبرى إن أى اختراق أو خطأ غير مقصود لهذا النظام يمكن أن يؤدى إلى انتهاء البشرية.
إيه الحكاية؟
هى أكبر مشكلة ستؤرق البشرية في الفترة القادمة وهى الذكاء الاصطناعى الذى يحلق في فضاءات لا يعلم منتهاها إلا الله، يمكن أن تكون رفاهية بلا حدود للبعض أو نار جهنم للجميع.. هذه المشكلة دعت مجموعة من صناع التكنولوجيا نفسها، أى أشد المؤمنين بها يدقون ناقوس الخطر وللدرجة التى جعلت أمين الأمم المتحدة نفسه يدعو الخبراء للتحرك معلنا أن الذكاء الاصطناعي تهديد وجودى للبشرية لا يقل عن خطر الحرب النووية.
والحكاية أن الذكاء الاصطناعى أصبح المارد الذى يغزو كل شيء، ولآن العلم بلا سقف والخيال بلا شطآن بدأت الانتقادات من الجميع لكن الانتقاد حين يكون من أهل العلم نفسه تكون هناك وقفة، وما سيحدث خلال السنوات القادمة لا يمكن تصوره.
على سبيل المثال قدمت شركات صينية متخصصة في تنظيم الجنازات إمكانية التفاعل افتراضيا مع المتوفى أثناء جنازته بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي. وتتيح شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي لعملائها إمكانية البقاء على اتصال افتراضي مع أشخاص فارقوا الحياة، في مجال لا يزال يلفه غموض كبير ويثير الكثير من التساؤلات.
ففي فيديو ترويجي تجلس السيدة ريو سون يون أمام ميكروفون وشاشة عملاقة يظهر فيها زوجها الذي توفي قبل بضعة أشهر، ويقول لها "عزيزتي.. هذا أنا"! لتنهمر الدموع وتبدأ ما يشبه الحوار معه.
النسخ الافتراضية والعيش أبدا
وتبدأ القصة حين علم الكوري الجنوبي لي بيونغ هوال البالغ 76 عاما بإصابته بسرطان في مراحله النهائية فقام بالاستعانة بشركة "ديب برين إيه آي" (Deep Brain Ai) التي سجلت مقاطع مصورة له على مدى ساعات لإنجاز نسخة رقمية عنه يمكنها الرد على أسئلة.
ويوضح جوزيف مورفي رئيس قسم التطوير في "ديب برين إيه آي" ان هناك برنامج إسمه "ري ميموري" نستفيد به فى هذا التطبيق مضيفا نحن لا ننشئ محتوى جديدا، أي أن هذه التكنولوجيا لا تولّد عبارات لم يكن المتوفى لينطق بها أو يكتبها خلال حياته.
وبنفس الفكرة اعتمدت عليها شركة ستوري فايل (Story File) التي استعانت بالممثل وليام شاتنر البالغ 92 عاما كوجه ترويجي على موقعها. يقول ستيفن سميث رئيس هذه الخدمة -التي يستخدمها الآلاف بحسب الشركة- إن نهجنا يقوم على الاحتفاظ بالسحر الخاص بهذا الشخص لأطول فترة ممكنة خلال حياته "ثم استخدام الذكاء الاصطناعي.
وحكاية أخرى بدأت في أبريل الماضى حين أثار رائد الأعمال والمهندس براتيك ديساي ضجة من خلال دعوته الناس إلى البدء بالتقاط تسجيلات بالصوت أو الفيديو للوالدين وكبار السن والأقارب، لافتا إلى أنه اعتبارا من نهاية هذا العام سيكون ممكنا إنشاء شخصية افتراضية بتقنية التجسيد الرمزي (أفاتار) لشخص متوفى، وموضحا أنه يعمل على مشروع في هذا الاتجاه.
وعندما وجد براتيك ديساي موجه من الانتقاد عبر نشر رسالته على تويتر رد عليهم بقوله اأنا نابش قبور، وهذه مسألة شخصية للغاية، وأنا أعتذر بصدق لأني آذيت أشخاصا.
ويخفف البعض من حدة الانتقادات بتأكيدهم أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التواصل مع الموتى موجه إلى فئة محددة وليس قطاعا قابلا للنمو، والأمر لم يولد اليوم طبعا وقد بدأ منذ منتصف الخمسينات بأشكل محدودة وسرية لكن ظهرت بعض نتائجه وأخفيت بعضها الأخر.
ومن الحكايات التى لا تخلو من أسرار أن المهندسة الروسية يوجينيا كيودا المقيمة في كاليفورنيا بعد وفاة صديقها المقرب في حادث سيارة عام 2015 أنشأت روبوت محادثة سمته رومان على اسم صديقها الراحل وأمدته بآلاف الرسائل القصيرة التي أرسلها إلى أقاربه بهدف إنشاء ما يشبه النسخة الافتراضية عنه.
ثم أطلقت في عام 2017 خدمة ريبليكا التي تقدم بعض برامج الدردشة الشخصية الأكثر تطورا في السوق، والتي يمضي بعض المستخدمين ساعات عدة في التحدث معها يوميا. لكن رغم ما حصل مع رومان فإن ريبليكا ليست منصة مصممة لإعادة استحضار شخص عزيز حسب ما حذرت ناطقة باسم الشركة.
وتسعى الآن شركة سومنيوم سبيس (Somnium Space) -ومقرها لندن- إلى الاعتماد على الميتافيرس في صنع نسخ افتراضية عن المستخدمين خلال حياتهم، وسيكون لهم وجود خاص من دون تدخل بشري في هذا العالم الموازي بعد وفاتهم.
ويقر المدير العام للشركة أرتور سيشوف بأن هذه الخدمة ليست موجهة للجميع بالطبع، وذلك في مقطع فيديو نُشر على يوتيوب بشأن منتج الشركة المسمى لايف فور إيفر (العيش أبدا) الذي أعلنت عن التوجه لإطلاقه نهاية العام.
ويضيف هل أريد أن ألتقي بجدي بواسطة الذكاء الاصطناعي؟ سيكون ذلك متاحا لمن يريد ذلك.
السؤال الذي يطرح هنا هو إلى أي مدى يمكن القبول بوجود افتراضي لشخص محبوب متوفٍ يمكنه بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي قول أشياء لم يقلها قبل وفاته؟
يقر جوزيف مورفي بأن التحديات فلسفية وليست فنية، لا أعتقد أن المجتمع جاهز بعد، هناك خط لم نخطط لتجأوزه. ويوضح مدير خدمة "ري ميموري" -التي تضم بضع عشرات من المستخدمين- أن هذه التقنية موجهة إلى فئة محددة وليست قطاعا للنمو، مضيفا لا أتوقع أن يحقق ذلك نجاحا كبيرا.
وتعتبر كاندي كان الأستاذة في جامعة بايلور -والتي تجري حاليا بحثا في هذا الموضوع بكوريا الجنوبية- أن التفاعل مع نسخة بالذكاء الاصطناعي لشخص من أجل عيش مرحلة الحداد يمكن أن يساعد على المضي قدما مع الحد الأدنى من الصدمات، ولا سيما بمساعدة شخص محترف.
من جانبها، أجرت ماري دياس أستاذة علم النفس الطبي في جامعة جونسون آند ويلز مقابلات مع العديد من مرضاها -الذين يعيشون مرحلة حداد- بشأن الاتصال الافتراضي مع ذويهم المتوفين.
وتوضح أن الإجابة الأكثر شيوعا كانت أنا لا أثق في الذكاء الاصطناعي، أخشى أن يقول شيئا لن أتقبله.
إيه رأيكم دام فضلكم؟!
yousrielsaid@yahoo.com