رئيس التحرير
عصام كامل

الدولار والسوق السوداء في (س. ج)

أرسل إلى بعض طلاب كلية إعلام القاهرة عدة أسئلة تساعدهم في مشروع تخرجهم، وكلها أسئلة حول السوق السوداء للدولار، فوجدت في هذه الأسئلة الفرصة لإظهار بعض الحقائق عن هذه السوق وتأثيرها على الاقتصاد المصري، خاصة أن وجود سعرين للدولار أحدهما الرسمي والثاني في السوق السوداء يربك حركة الاقتصاد ككل.. 

 

ونجد أن السوق السوداء سوق من السهل التأثير فيها، فعلى سبيل المثال بعد تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة حول رفضه التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، وجدنا تراجع الأخير في السوق الموازية بنسبة 10%، بسبب اتجاه عدد من المتعاملين بهذه السوق إلى التخلي عن العملة الخضراء. 


وعن الإجابة عن المستفيد الحقيقي من السوق السوداء ينبغي أولًا معرفة أسباب نشأة السوق السوداء، فنجد بداية أن تدهور الأوضاع الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية في العالم، والضغوط المتزايدة جراء انخفاض قيمة العملات التي تواجهها البلدان النامية، تسبب في ارتفاع عدد البلدان التي لديها أسواق عملات موازية نشطة. 

سوق الصرف الموازى

وتعود أسعار الصرف الموازية بالنفع على المجموعة التي يمكنها الحصول على النقد الأجنبي بالسعر المدعوم، ومن ثم هناك ارتباط قوي، إن لم يكن ارتباطًا سببيًا بين وجود أسعار صرف موازية والفساد. 

 

وفي الغالب تنشأ أسعار الصرف الموازية في البلدان عندما تلحق المشكلات بميزان المدفوعات. وتاريخيا شهدت مصر فترات نقص شديد بالعملات الأجنبية، أبرزها عام 1947 بعد خروجها من منطقة الإسترليني، وعقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وتجميد أرصدة العملات الأجنبية لمصر بالخارج، والحاجة لتمويل برنامجها الصناعي والزراعي. 

 

وعام 1962 بعد استنزاف احتياطي لعملاتها بدفع تعويضات التأميم، وتعويضات لحكومة السودان بسبب إنشاء السد العالي والحاجة لتمويل الخطة الخمسية الأولى. وبعد حرب 1967 وما تلاها من حرب الاستنزاف أيضا، شهدت مصر نقصا شديدا في العملات الأجنبية..

 

مما دفع للجوء للاستيراد بدون تحويل عملة من قبل البنوك، لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي المحدود، مما أنعش السوق السوداء لتلبية احتياجات تلك الواردات، ومنذ ذلك الحين أصبحت السوق السوداء واقعا مصريا مستمرا، حتى أنه يمكن تحديد فترات محدودة لهدوء تعاملات تلك السوق السوداء.. 

 

أبرزها ما بين عام 1991 وحتى 1997 مع إعطاء الأفراد والشركات وقتها الحرية بالتعامل بالنقد الأجنبي وثبات سعر الصرف، وما بين عامي 2005 وحتى 2009، وما بين النصف الثاني من عام 2017 وحتى عام 2020، وبخلاف تلك الفترات كان نشاط السوق السوداء سائدا.

مخاطر السوق السوداء


وعن السؤال حول حجم مخاطر السوق السوداء علي الاقتصاد المصري؟ نجد أن السوق السوداء تؤدي إلى زيادة التشوهات ومخاطر اقتصاد غير مستدام، ومن ضمن مخاطر وجود السوق السوداء نجد تحويل تدفقات العملات الأجنبية بعيدًا عن السوق الرسمية إلى السوق الموازي (السوق السوداء).

 

كما نجد تشويه المشهد التنافسي بسبب السوق السوداء حيث إن تقنين العملات الأجنبية في النظام الرسمي يوفر الفرصة لبعض الوكلاء للحصول على وصول تفضيلي للعملة على حساب الآخرين، مما يؤدي إلى تشويه المشهد التنافسي. 

 

كذلك نجد تراجع الاستثمار المحلي ونمو الائتمان مع عدم اليقين للوصول إلى العملة الصعبة. وانخفاض الاستثمار الأجنبي. والتسعير المحلي خارج سعر السوق الموازي، فكلما كان السعر الموازي أكثر أهمية ومصدرًا للعملات الأجنبية للوكلاء الاقتصاديين، كلما زادت احتمالية أن الأسعار المحلية تحدد بسعر السوق الموازي وليس السعر الرسمي. وهذا يعني ضياع ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبيًا.


وعند تناول الإجراءات التي يتم اتخاذها للقضاء علي السوق السوداء في الدولة نجد أن على رأس هذه الإجراءات توفير الدولار للمستورد، فمصر تواجه أزمة نقص في النقد الأجنبي بعد موجة التضخم العالمية واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما تسبب في ارتفاع فاتورة الواردات، وخروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التي كانت تمثل جزء كبير من السيولة الدولارية في البلاد..

 

ومنذ ذلك الحين حاولت الحكومة ترشيد الاستيراد للسيطرة على مواردها من الدولار، كما اتفقت مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار مقابل برنامج للإصلاح الاقتصادي قائم على التحرير الكامل لسعر الصرف، وبيع أصول حكومية. 

مصادر الدولار

وتحصل مصر على الدولار من خمسة موارد رئيسية، وهي بالترتيب للأعلى دخلًا: الصادرات، تحويلات العاملين بالخارج، السياحة، الاستثمار الأجنبي المباشر، عوائد قناة السويس. وعند العمل على توفير احتياجات المستورد من الدولار ستختفي السوق السوداء..

 

وقد ظهر ذلك عندما عملت الحكومة على الإفراج عن البضائع والسلع ومستلزمات الإنتاج، التي كانت متراكمة في المواني وإتاحة الدولار للمستوردين والمستثمرين في البنوك المصرية، مما أدى إلى إصابة السوق السوداء للدولار بالشلل، وحدث توقف شبه تام على التعامل بالسوق السوداء، خاصة في ظل تحرك وزارة الداخلية لمحاصرة المضاربين وتجار العملة.


وعن حجم التجار في السوق السوداء والتنوع في فئتهم  نجد أنه تتنوع الفئات العاملة بالسوق السوداء للدولار فهناك النشاط الذي تشارك فيه القنوات التقليدية مثل محلات الذهب والصاغة وبعض شركات الصرافة، بالإضافة إلى تجار السوق السوداء الذين يروجون لنشاطهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. 

 

وعلى سبيل المثال يوجد عشرات المجموعات على منصة فيسبوك خاصة بتجارة العملة وبيع وشراء الدولار، ويجري فيها التداول والمضاربات على العملة الصعبة بشكل طبيعي، وتجري هذه المعاملات بشكل بسيط عبر توصل الأفراد بعضهم مع بعض إلى اتفاق على السعر ومكان اللقاء، وكل تلك التعاملات تتم خارج النظام المصرفي رغم العقوبات القاسية التي فرضها القانون. وقد قدر الخبراء حجم التعامل في السوق السوداء ما يقارب 8 مليارات دولار.

الجريدة الرسمية