وحوش في ثوب بشر
رغم عدم اعتراف الأوروبيين بوجود تلك الحقبة العنصرية المخجلة ومحاولة طمس معالمها، إلا أن العديد من المراجع التاريخية قد أرخت بالأسماء والتواريخ والمواقع، لعشرات الوقائع اللاإنسانية التى جلب خلالها الاستعمار الأوروبى لآلاف البشر من الدول الفقيرة التى وقعت تحت قبضتهم، وعرضهم إلى جوار القرود والكلاب والحمير بحدائق الحيوانات بالعواصم الأوروبية المختلفة، للتحقير من شأنهم وأظهرهم فى صور الهمج المتخلفين، والتدليل على مدى تفوق العرق الأوروبي.
ورغم بشاعة الجرم اللاإنسانى الذى تقشعر له الأبدان من مجرد تصور قدر الجبروت والقسوة التى تمتع بها حكام تلك الحقبة، لدرجة التجرد من المشاعر والإقدام على عرض آدميين أبرياء جبرا إلى جوار الحيوانات؛ لإظهار تفرقهم العرقى والعنصرى، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا التوقيت تحديدا، أليس بيننا الآن آدميون يستحقون العرض جنبا إلى جانب مع الحيوان المفترسة؟!
يقينى، أن الإجابة ستكون بـ"نعم" وأن بيننا من المسئولين والصفوة وعلية القوم من تؤهلهم ممارساتهم إلى وضعهم على تلك الحالة، بل إن بينهم من يمتلكون من غيبة الضمير ما يجعل وضعهم إلى جوار الحيوانات حطا من قدر تلك المخلوقات التى تمتلك من العطف والرحمة ما يفتقده هؤلاء لأقل درجاته.
أليس من يشعلون الصراعات فى العالم عمدًا، من أجل الارتقاء بحجم مبيعاتهم من السلاح، بصرف النظر عن خراب الدول وسقوط وتشريد ملايين الأبرياء الآمنين، يستحقون أن نضعهم مغلغلين أذلاء بجوار الحيوانات، ولاسيما أن تقارير المعهد الدولى لبحوث السلام فى استوكهولم تؤكد أن أكبر 100 منتج منهم قد حققوا خلال عنفوان وباء كورونا فى عام 2020 مبيعات سلاح تجاوزت الـ531 مليار دولار.
وحوش في ثياب بشر
بل إن هذا الرقم تجاوز حاجز الـ592 مليار دولار فى عام 2021، وقفز فى 2022 إلى 299 مليار دولار، وأن الولايات المتحدة الأمريكية - الراعى للسلام وحقوق الإنسان فى العالم - تستحوذ على نحو 50% من إجمالى تلك المبيعات من الأسلحة التى توجه لصدور الآمنين.
ألا يستحق أعضاء مافيا تجارة المخدرات الذين يدمرون ملايين الشباب سنويًا، أن نضعهم فى مواضع أحط قدرًا من الحيوانات، بعد أن تجاوزت حجم تجارتهم حاجز 321.6 مليار دولار فى عام 2023 نتج عنها - طبقًا للتقارير العالمية - تعاطى ما يزيد على 275 مليون شخص حول العالم لبضاعتهم المسمومة، وتحول ما يزيد على 36 مليون شخص إلى مدمنين مدمرين لا أمل فى عودتهم كأصحاء نافعين.
ألا يليق بمعدومى الضمير من أعضاء المافيا العالمية لصناعة الفيروسات والأوبئة المخلقة، أن نضعهم أذلاء مكبلين بجوار الأفاعى والذئاب، بعدما باعوا ضمائرهم فى مقابل موت وتدمير الملايين فى العالم، لجنى أرباح تفوق الخيال من تجارة الأمصال والأدوية، لدرجة أن حجم مبيعاتهم تعدت فى عام 2020 - طبقًا للأرقام الرسمية - حاجز الـ1.265 تريليون دولار.
ألا يجدر بكل المسؤولين الفاسدين الذين يستغلون مناصبهم لنهب موارد بلادهم لتكوين ثروات من حرام على حساب إفقار شعوبهم، وتحويل السواد الأعظم منهم إلى مطحونين يقاسون ويلات الفقر والجهل والمرض، أن نضعهم فى أقفاص حقيرة للعرض بجوار الحيوانات المفترسة.
ألا يستحق كل معدومى الضمير من تجار الأزمات الذين يحتكرون السلع ويتاجرون بأقوات الفقراء، ومعهم كل تجار الأغذية الملوثة والمغشوشة الذين يجمعون ثروات على حساب الإضرار العمد بصحة أبناء شعوبهم، ومعهم مافيا العملات الأجنبية التى تجمع المليارات على حساب ضرب الاقتصاد الوطنى، أن نضعهم للعرض إلى جوار الضباع والكلاب.
للأسف أن الواقع يقول إنه يعيش بيننا وحوش فى ثياب بشر، وأن غيبة ضمائرهم وضعف نفوسهم تؤهلهم إلى مواضع أحقر قدرًا من حدائق الحيوانات.. وكفى.