الصحابة شعراء.. في دوحة خير الأنبياء (3)
الرثاء فن قديم من فنون الشعر، لكنه إذا قيل في سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مديح.
ولعل أشد المتأثرين بمحنة انتقال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى خالقه، سبحانه وتعالى، كانت السيدة فاطمة ابنته، والتي روي أنه أخبرها بالنبأ الحزين مسبقا، وبشرها بأنها ستكون أول من يلحق به.
السيدة فاطمة الزهراء
روي عن عائشة، أنها قالت: “ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله من فاطمة”.. وكانت، رضي الله عنها، إذا دخلت إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قام فقبلها، ورحب بها، كما كانت هي تصنع به، صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن أم رافع، وفي كتاب الإصابة، أنه، لما مرضت فاطمة، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، قالت لي: يا أمة اسكبي لي غسلا، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست ثيابا لها جددا، ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة، وقالت: يا أمة إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت، فلا يكشفن لي أحد كفنا، فماتت، فجاء عليٌّ فأخبرته، فاحتملها، ودفنها بغسلها ذاك.
وقالت رضي الله عنها شعرا بعد أن انتقل، صلى الله عليه وآله وسلم، قالت:
اغبر آفاق السماء وكورت شمس النهار وأظلم العصرانِ
الأرض من بعد النبي كئيبةٌ أسفًا عليه كثيرة الرجفانِ
فليبكه شرق البلاد وغربها ولتبكه مضر وكل يمانِ
وليبكه الطود المعظم جوه والبيت ذو الأستار والأركانِ
يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه صلى عليك منزل الفرقانِ
ومما ينسب لعلي أو فاطمة رضي الله عنهما:
ماذا على من شم تربة أحمدٍ أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليه مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
علي بن أبي طالب
روى مسلم في صحيحه قوله عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: "إنه تعهد إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". وروى الترمذي في المناقب قوله، صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا دار الحكمة وعلي بابها".
وقال زادان بن عمر: سمعت عليا في الرحبة، وهو ينشد الناس: من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم غدير خم، وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنه سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
ومن شعر علي رضي الله عنه يوم بدر:
ألم تر أن الله أبلى رسوله بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة فألفوا هوانًأ من إسار ومن قتلِ
فأومى رسول الله قد عز نصرُه وكان رسول الله أرسل بالعدلِ
ومما يذكر له إخلاء بني النضير، وما تقدم ذلك من قتل كعب بن الأشرف:
فأصبح أحمد فينا عزيزا عزيز المقامة والموقفِ
فيا أيها الموعدوه سفاها ولم يأتِ جورا ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذا ب وما أمَّن الله كالأخوفِ
وأن تصرعوا تحت أسيافه كمصرع كعب أبي الأشرفِ