رئيس التحرير
عصام كامل

الصحابة شعراء.. في دوحة خير الأنبياء (1)

هو خير خلق الله، وهم تلاميذ في مدرسة النبوة الخالدة.. هو خير من نطق بالضاد، وهم ملوك الكلمة، وأمراء اللغة.. هو كان كلامه الدر، وخطابه شذور الذهب، وهم أحبوه بمجامع قلوبهم، وحاولوا التعبير عن ذلك الحب قدر ما أمكنهم، فليس من اليسير البوح بكل مكنون الأفئدة من مشاعر، لاسيما مع خشونة البيئة، وفظاظة المعاملات المجتمعية، والعلاقات البينية، وشيوع الشرك في فجر الإسلام الوليد.

 

كان السائد في شعر ذاك العهد الوصف الأقرب للسطحية، ورسم التفاصيل المادية، ما يجعله مختلفا عما تلاه من عصور.. الصحابة نظموا الشعر في مدح الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء متناسقا مع الأجواء المحيطة آنذاك.. 

 

أما المادحون في العصور التالية فكانت الحياة قد لانت، واستتب أمر الإسلام، واستقر الدين الحنيف، مسيطرا على مساحات شاسعة، واختلفت العادات الاجتماعية، فجاءت المدائح النبوية عميقة، والمشاعر مسيطرة، وصارت القصائد أكثر جمالا وأعذب ألفاظا، وأروع في معانيها.

 

وما نحن بصدده اكتشاف نادر، فلربما لا يتصور أحد أن الصحابة الأوائل مثل: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وحمزة والعباس عمي النبي، وعلي بن أبي طالب، والسيدة فاطمة الزهراء، وغيرهم، رضوان الله عليه، نظموا مدائح في حضرة المحبوب، صلوات ربي وتسليماته عليه.

في مقدمة الصحابة الذين قالوا شعرا في مدح النبي، صلى الله عليه وآله وسلم:

 

حمزة بن عبد المطلب

 

كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأربع سنين، وقيل بسنتين. واستشهد في أُحُد، ابن تسع وخمسين سنة، وروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "حمزة سيد الشهداء"، وروي: خير الشهداء.

 

قال حمزة حين أسلم: 

حمدتُ اللهَ حين هدى فؤادي         إلى الإسلام والدين الحنيف

لدينٍ جاء من ربٍّ عزيزٍ            خبيرٍ بالعباد، بهم لطيفْ

إذا تليت رسائله علينا               تحدر دمع ذي اللب الحصيفْ

رسائلُ جاء أحمدُ من هداها       بآياتٍ مبينةِ الحروف

وأحمدُ فينا مطاعٌ                   فلا تعشوه بالقولِ العنيفْ

 

 

فلا واللهِ نسلمه لقومٍ               ولما نقضُّ فيهم بالسيوف

ونتركُ منهم قتلى بقاعٍ            عليها الوِردُ كالطيرِ العكوف

وقد خبرتُ ما صنعت ثقيفٌ       فخزيٌّ للقبائل من ثقيف

إله الناس؛ شر جزاء قومٍ          ولا أسقاهم صوب الخريف

 

أشهر الشعراء من الصحابة

 

أما أشهر الشعراء من الصحابة، فهو حسان بن ثابت، رضي الله عنه، وقال بيتا وصفته العرب بأنه أصدق بيت في الشعر العربي، على الإطلاق كان:

"فإن أبي ووالده وعرضي    لعرض محمد منكم وقاءُ

عفت ذات الأصابع فالجواء   إلى عذراء منزلها خواء".

 

ومن قوله يرد على أبي سفيان بن الحارث، حين هجا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم:

هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه    وعند اللهِ في ذلك الجزاءُ

هجوتَ مباركا برًّا حنيفًا      أمينَ الله، شيمتُه الوفاءُ

أتهجوه ولستَ له بكفْءٍ؟      فشرُّكما لخيركما فداءُ

 

وقد روى جناب الكلبي، وكان ممن أسلم يوم الفتح، عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أنه سمعه يقول لرجل ربعة (يقصد حسان بن ثابت): "إن جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، والملائكة قد أظلت عسكري، فخذ في بعض هناتك"، فأطرق الرجل شيئا ثم طفق يقول: 

 

ياركنَ معتمرٍ وعصمةَ لائذٍ       وملاذَ منتجع وجار مجاور

يا من تخيره الإله لخلقه            فحباه بالخلق الزكي الطاهر

أنت النبي وخير عصبة آدم        يا من يجود كفيض بحر زاخر

ميكال معك وجبرئيل كلاهما       مدد لنصرك من عزيز قاهر

 

 

قال: قلتُ: من هذا الشاعر؟ فقيل إنه حسان بن ثابت، فرأيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يدعو له، ويقول له خيرا. وقال حسان للزبرقان عندما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بذلك: 

إن الذوائب من فهر وإخوتهم     قد بينوا سننا للنناس تتبع

إلى أن وصل لقوله:

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم      إذا تفرقت الأهواء والشيع

الجريدة الرسمية