رئيس التحرير
عصام كامل

في الصمت حكمة يا معالي الوزير

أتمنى أن يستمع محمد معيط وزير المالية لنصيحتي وألّا يخرج متحدثا لوسائل الإعلام دون امتلاك أرقام ومعلومات صحيحة ومؤكدة، وإلا فأكرم له وللحكومة الصمت والكف عن الحديث بأرقام ومعلومات لا علاقة لها بالواقع، ولاسيما أن صعوبة المرحلة لا تحتمل سوى المكاشفة، حتى وإن كانت صادمة.

 

فمنذ أيام خرج وزير المالية في لقاء تليفزيوني، مؤكدا أن الأزمة الاقتصادية الخناقة التي تمر بها مصر ستنتهي مع نهاية العام الحالى، أي بعد أقل من 8 أشهر من الآن، دون أن يوضح السند الذي جعله يقطع بمثل هذا الوعد المتفائل على نفسه وعلى الحكومة أمام المصريين وعلى الهواء مباشرة.

 

ولأننا لا نهدف هنا سوى للحقيقة ووضع الأمور في نصابها دون التشكيك، فقد كان يستوجب على وزير المالية محمد معيط أن يطرح مع وعده المتفائل، كيف ستستطيع الحكومة الخروج من الأزمة، وتدبير تلك الموارد الدولارية الضخمة التي تتطلبها الالتزامات الاقتصادية الحتمية داخليا وخارجيا.

 

تصريحات متفائلة

غير أن ما يدعو للعجب، أن تصريحات وزير المالية تأتي بعد أيام من خفض "وكالة فيتش للتصنيف الائتماني" للتصنيف السيادي لإصدارات الدين طويلة الأجل بالعملة الأجنبية لمصر من + B إلى B مع الإبقاء على النظرة المستقبلية عند المستوى "سلبى"، وهو ما يعني صعوبة حصول البلاد على قروض جديدة من المؤسسات المالية الدولية.

 

كما أن الأرقام تؤكد أن مصر في حاجة فعلية وماسة لتدبير موارد دولارية ضخمة خلال السنوات الـ5 المقبلة، منها 38 مليار دولار بالموازنة الجديدة لسداد قروض قصيرة الأجل تبلغ 26.4 مليار دولار، ومعها احتياجات حتمية أخرى تزيد على الـ40 مليار دولار لتغطية العجز في الموازنة ومتطلبات الديون حتى عام 2023، إلى جانب 83.8 مليار دولار أخرى قيمة ديون متوسطة وطويلة الأجل تستجوب السداد حتى عام 2028، وجميعها مبالغ كان يستوجب على وزير المالية ضرورة إيضاح كيفية تدبيرها، أو على الأقل تدبير المطلوب منها حتى نهاية العام الحالي.

 

أجزم أننى لست من المتشائمين، وأقر بأن الحكومة المصرية نجحت خلال السنوات الماضية في الصمود أمام الالتزامات الثقيلة لخدمات الديون، ولم تتخلف عن الوفاء بأى منها، غير أن التصريحات المتفائلة للغاية من وزير المالية تأتي في توقيت خانق، بل وتطالب المؤسسات المالية الدولية فيه مصر بضرورة الإقدام على تخفيض رابع وجديد لقيمة الجنيه قبل نهاية العام المالي الحالي، وهو ما سيضع على الحكومة بالتأكد أعباء فوق الأعباء.

 

ولا أدرى كيف قطع الوزير على نفسه الوعد بانتهاء مشكلة مصر الاقتصادية مع نهاية هذا العام، وهو يعلم يقينا أن البنك المركزي قد أجل الإقدام على خطوة الخفض الرابع لقيمة الجنيه المصري، مفضلا ترحيلها للشهر المقبل، وذلك بعد أن اتسعت الهوة بشكل كبير بين سعر الجنيه في مقابل الدولار في البنوك والسوق السوداء، وسط وعود قطعته الحكومة على نفسها لصندوق النقد هذا الشهر، بتطبيق سعر صرف مرن للعملات الاجنبية، أي أن التعويم الجديد للجنيه قادم وسيتم قبل 30 يونيو المقبل.

 

للأسف أن وزير المالية محمد معيط يعلم تمام العلم، أن الحكومة تجاهد من أجل جذب 2 مليار دولار من خلال طروحات حكومية قبل نهاية العام المالى، كما تعول على أن يؤدي التخفيض الرابع لقيمة الجنيه إلى وفاء عدد من دول الخليج بوعود بتقديم استثمارات بمليارات الدولارات، أتمنى ألا يكون الوزير قد رسم حساباته على أنها قد تنهى مشكلة مصر الاقتصادية.

 

حكمة الصمت

العجيب أن محمد معيط وزير المالية لم يكتف بتصريحه السابق، بل خرج بتصريح آخر دون طرح أرقام موثقة، مؤكدا -على غير الحقيقة- أن فاتورة استيراد مصر من المواد البترولية قد ارتفعت إلى الضعف خلال عام واحد؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، في حين أن هذه الحرب بدأت في فبراير من العام الماضي، وأن الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تناقض تماما مع تلك التصريحات.

 

ودون تشكيك تؤكد الأرقام الرسمية المعلنة، أن حجم استيراد مصر من المواد البترولية في عام 2022 - أي عام الحرب - قد بلغ نحو 4.43 مليار دولار، في مقابل 3.37 مليار دولار في عام 2021، أي أن قيمة الزيارة لم تتجاوز 692.44 مليون دولار، ليس هذا فحسب، بل إن قيمة ما دفعته الحكومة لشراء كل أنواع المحروقات بما فيها الغاز الطبيعي والفحم - طبقا لأرقام جهاز الإحصاء أيضا - قد بلغت في عام 2021 نحو 10.21 مليار دولار، ووصلت في عام 2022 إلى 14.3 مليار دولار، أي أن قيمة الزيادة لم تتجاوز 42% وليس الضعف، كما ذكر السيد معيط.

 

  يقينا أن في الصمت حكمة، وأنه أكرم لوزير المالية ألا يخرج متحدثا لوسائل الإعلام دون امتلاك معلومات صحيحة وأرقام موثقة، ولاسيما أن صعوبة المرحلة لا تحتمل سوى المصارحة، وإلا فإن حكمة السياسي ورؤية المسؤول تحتم عليه وعلى الحكومة ضرورة الصمت حتى نتجاوز الأزمة.. وكفى.

الجريدة الرسمية