فقه الانسحاب !
إذا كان لأمور عديدة فقه خاص بها فإن الانسحاب له فقه خاص أيضا، خاصة بعد أن صار الانسحاب لا يقتصر على المجال العسكرى فقط كما كان غالبا من قبل وإنما إتسع ليغطى مجالات أخرى، رياضية وسياسية، حتى ولو سمى بمسيات أخرى مثل الاعتذار في الرياضة والمقاطعة في السياسة!..
وإذا كان داخل الفقه يوجد خلافات بين فقهائه فإن فقه الانسحاب ليس مستثنيا من ذلك، وهناك خلافات بين فقهائه أيضا. وأبرز خلاف في فقه الانسحاب يدور حول جدوى الانسحاب، أو حول فوائده وأضراره أيضا.. حيث يراه البعض مجديا ويراه آخرون أنه عمل سلبى يعبرعن العجز، بل ويراه فريق ثالث أنه ضار بمن يمارسه!
غير أن هناك توافق على أن جدوى الإنسحاب تكمن في ضرورته.. فمثلا انسحاب القوات المصرية من سيناء عام 1956 بعد العدوان الثلاثى كان ضروريا لحمايتها من الحصار من قبل المعتدين وهم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وبالتالى انقاذها من التصفية، ولذلك أعتبر عملا عسكريا عبقريا..
وبالعكس كان انسحاب قواتنا من سينا بعد عدوان 1967 كارثيا والحق بقواتنا خسائر فادحة جعلتنا نحتاج إعادة بناء جيشنا مجددا، لآن هذا الانسحاب كان غير منظم وتم بشكل فوضوى ومرتبك وبدون توافر غطاء جوى.
وبهذا المقياس تباينت الرؤى والأراء والمواقف بخصوص حالات انسحاب شهيرة في مجال السياسة بدءا بمقاطعة الانتخابات ورفض المشاركة فيها، ترشحا وانتخابا منذ عقود عديدة مضت وحتى تهديد بعض الأحزاب بالانسحاب من الحوار الوطنى لعدم الاستجابة الكاملة لكل طلباتها التى تراها ضمانات ضرورية لنجاح هذا الحوار!
بل إن هذا المقياس ذاته استخدم مؤخرا في تقييم أحدث حالات الانسحاب في المجال الرياضى.. وهذا يُبين أن فقه الانسحاب له قواعده الثابتة تاريخيا!