تحت الوصاية وليلة السقوط.. دراما صنعها واقع مؤلم !

بعد أن حللنا في المقال السابق مضامين عدد من المسلسلات التليفزيونية التي عرضت في شهر رمضان، والتي خلصنا منها إلى القول بأن معظم ما قدم كان دون المستوى المطلوب والمأمول من صناع الدراما، لكونه لا يحمل مضمونًا هادفًا حقيقيًا، يفيد المشاهد ويؤثر فيه بشكل إيجابي، بل على العكس روجت غالبية المسلسلات لأشياء سلبية وسلوكيات مرفوضة، تسيء للمجتمع وتهدم قيمه وتقاليده.. 

ولكن رغم كل هذه السلبيات إلا أن هناك أعمالًا على قلتها كانت تغرد خارج السرب وكأنها' نشاذ' بالنسبة لمعظم ما يقدم ! لأنها طرحت قضايا هامة وواقعية وحاولت بقوة أن تذكرنا بالدور الرئيس المنشود للفن في التعبير عن مشاكل وشواغل وهموم المجتمع، بصورة صادقة دون تشويه أو تحريف..

ومن أهم هذه الأعمال التي نجحت أيما نجاحًا في هذا الاختبار الصعب.. تحت الوصاية وليلة السقوط وأعتقد أن هذين العملين هما نموذجان للدراما الحقيقية التي نتمناها ونريدها دائمًا والتي تعيش طويلًا في وجدان الناس وتعطي دليلًا عمليًا على أننا نمتلك القدرة على صنع مثل هذه الأعمال الجادة المهمة لو أردنا وعزمنا؟

منى زكي على طريق فاتن حمامة 

نجح باقتدار مسلسل تحت الوصاية في تحريك المياه الراكدة وإثارة الجدل والمناقشات، التي وصلت إلى مجلس النواب ووزارة العدل، حيث قدم النائبان آميرة العادلي ومحمد إسماعيل طلبات منفصلة إلى الجهتين المذكورتين، بتشكيل لجنة لفحص تأثير قانون الوصاية والمجلس الحسبي المختص بالأبناء دون 18عامًا والذي أنشأ منذ أكثر من 70 عامًا..

حيث يري النائبان والمجلس القومي للمرأة وآخرون أنه صار قانونًا قديمًا لا يتناسب مع التطورات الحديثة التي شهدها المجتمع وهو يستهدف النساء بشكل غير عادل ويضر بالأسرة ومن ثم يجب إعادة النظر فيه؟ وما أحدثه هذا العمل الذي أشادت به إحدى كبريات الصحف البريطانية The Guardian..

مازال الأثر يعيدنا إلى الفيلم المهم أريد حلًا  تأليف حسن شاه وإخراج الجريء سعيد مرزوق وبطولة سيدة الشاشة فاتن حمامة مع رشدي أباظة وليلى طاهر وأمينة رزق وإنتاج الفنان صلاح ذو الفقار عام 1975 والذي يعد أول فيلم يناقش مشاكل الطلاق وصعوباته بالنسبة للمرأة وبيروقراطية المحاكم وبطئها الشديد الذي يمتد لسنوات في نظر هذه القضايا، مما مهد لقانون الخلع بعد ذلك..

وهو ما نراه قد يتكررعلى يد العظيمة منى زكي التي بلغت فيه ذروة الأداء لممثلة في عمل تليفزيوني لم يحدث منذ زمن بعيد! واستطاعت بما وصلت إليه من نضج فني مذهل وباستخدام عبقري لكل أحاسيس ومشاعر وتعبيرات المرأة الأرملة المقهورة المستضعفة، قبل أن تتحول إلى امرأة قوية تناطح الرجال وتتفوق عليهم بل وتقودهم على مركب في مهنة شاقة جدًا وحكرًا على الرجال..

لأول مرة في عمل فني وذلك من أجل إعالة طفليها المهضوم حقهما من جدهما وعمهما بعد وفاة والدهما، ولا يمكن إنكار دور الكتابة المتميزة والمتعمقة للأخوين المبدعين شيرين وخالد دياب ولكل الممثلين بالعمل الذين قدموا أفضل مالديهم في هذا المسلسل، محمد دياب في دور عم الأولاد الطامع في مركبهم والذي نجح ممثلًا أكثر منه مطربًا!

مها نصار في دور الشقيقة المساندة بقوة لشقيقتها، العملاق رشدي الشامي أو عم ربيع البحار العجوز، إضافةً إلى باقي فريق البحارة خاصةً خالد كمال وكذلك الموهوب أحمد خالد صالح والطفل النجم عمر شريف، كل هؤلاء تحت قيادة وميزان المخرج الشاب الفنان الحساس الذي يجيد تمامًا فن اختيار وإدارة الممثل لإخراج أحسن ما لديه محمد شاكر خضير الذي أصبح بهذا العمل رقمًا صعبًا بين المخرجين.

أضخم عمل يفضح جرائم داعش

ليلة السقوط عمل درامي عربي يعد الأول من نوعه، الذي يتعرض لفترة من أحلك الفترات التي عاشها الشعب العراقي، بمختلف طوائفه من شيعة وسنة وأكراد ومسيحيين وإيزيديين بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٧ إبان احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل، وما تخلل هذه الفترة من أعمال وحشية وجرائم لم يسبق لها مثيل من قتل وذبح وخطف وسبي، قام بها الدواعش ضد أهل العراق ونساءه خاصةً من الإيزيديات والمسيحيات..

ومن ثم نجح هذا العمل بشكل كبير في فضح الصورة البشعة للدواعش، وذلك بالاستعانة بجنود وقوات عراقية شاركت في مقاومة وطرد الدواعش من الموصل بالفعل وبالتصوير في أماكن الأحداث الحقيقية، وبتوفير إمكانيات ضخمة من ميزانية تخطت ال ٦ مليون دولار إنتاج العراقي الدكتور قيس الرضواني لعمل عربي متميز، وبمشاركة نحو ١٦٠ فناناٍ من عدة دول عربية..

يتصدرهم أحد أبرز الفنانين على الساحة المصرية والعربية النجم المصري المتألق طارق لطفي في دور الذباح مع المدهشة الأردنية صبا مبارك في دور جوانا والسورية الرائعة كنده حنا في دور كريستين والنجم السوري باسم ياخور، إضافةً إلى المتميزين المصري أحمد صيام والعراقيين جواد الشكرجي وريهام البياتي وآخرين.. 

ومن تأليف الكاتب المصري القدير مجدي صابر الذي يعود بعد غياب ٤ سنوات منذ الجزء الثاني من أفراح إبليس ليقدم لنا عملًا ملحميًا مهمًا بامتياز، أظن أنه الأصعب في مشواره حتى الآن، لطبيعته الخاصة جدًا، ليؤكد على الدور الأصيل للفن في نقل الواقع بكل تفاصيله ومرارته وبكل أمانة وتجرد.. 

يهللون للبلطجة والجريمة وغياب القانون ويقولون تطورنا!

الريسة منى ومسلسلها وحنان والنبوي ولطفي.. الأفضل!

وقد نجح المخرج العراقي ناجي طعمي بكل مهارة في قيادة فريق العمل الكبير جدًا وبرع في التفاصيل ليعبر عن المأساة الكبرى التي عاشها أهل الموصل حتى نجح الجيش العراقي بمساعدة قوات البشمركة والحشد الشعبي في دحر وطرد الدواعش من بلادهم بلا رجعة.