الدكتورة عالية المهدي التي كانت عميدة كلية السياسة!
كانت أصعب مواد العلوم السياسية التي ندرسها في قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط - أو حتي في أيام الدراسات العليا بكلية الاقتصاد - هي مادة مناهج البحث وملخصها كيف تقدم دراسة علمية عن موضوع ما.. لا تتدخل في العاطفة.. ولا توجه الاعتبارات الشخصية ولا تحكمه الحسابات الخاصة.. وهنا.. لابد من توفير الدليل علي الطرح..
هنا.. لا مكان للكلام المرسل.. هنا.. لا وجود للخطب والإنشاء ولا للهمبكة.. هنا فقط مسموح بالأرقام والوثائق ومحاضر الجلسات ومضابط الاجتماعات وشهادات الشهود من خلال ملفات القضايا التي كانوا طرفا فيها.. متهمين أو شهود.. أو من خلال مذكراتهم.. مكتوبة أو مرئية أو مسموعة.. عنهم مباشرة أو بجمع وجهد آخرين..
ولذلك نسخر من كل من يزعمون أنهم مؤرخون يتصدون لكتابة تاريخ مصر ولا يفعلون شيئا من ذلك كله اللهم إلا أساتذة التاريخ لأنهم تعلموا تلك المادة مناهج البحث وطبقوها في رسائلهم للماجستير والدكتوراة.. ولذلك كنا نحترم ولم نزل أسماء مثل الدكاترة والمؤرخين رؤوف عباس وقاسم عبده قاسم وعاصم الدسوقي وجمال شقرا ولطيفة سالم وغيرهم. غيرهم!
المنهج العلمي للبحث
وفي رمضان المنقضي.. وصلتنا عدة رسائل يمثل أصحابها أجيال مختلفة يندهشون مما كتبته الدكتورة علياء المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد عن عصر الاحتلال البريطاني لمصر وكيف كان الملف مظلوما. لم يكن فاسدا! طالعت البوست علي أمل أن نجد استعانة بمذكرات أحمد مرتضى المراغي آخر وزراء الداخلية قبل ثورة يوليو (في إصدارين)..
أو مذكرات كريم ثابت المستشار الصحفي للملك أو رسالة الدكتوراة للدكتورة لطيفة سالم عن الملك وكتابيها "الملك فاروق الأول وعرش مصر" و"فاروق من الميلاد إلي الرحيل"، وقد بذلت فيهما المؤرخة المحترمة جهدًا خرافيا التقت من بقوا علي قيد الحياة وجمعت مذكرات غيرهم وطالعت مضابط البرلمان ومحاضر اجتماعات مجلس الوزراء، ولم تكتف بذلك بل ذهبت واطلعت علي الأرشيف البريطاني نفسه، وفيه كل برقية أرسلت من مصر وعن مصر وكافة التقارير عن أحوال الوطن المحتل!
كنت متفائلا.. في عميدة كلية الاقتصاد التي تعلم طلابها المنهج العلمي وتخصصها اقتصاد تدرك معني الرقم وإذا قلت شوارع حي الزمالك نظيفة فيجب معرفة كم حي في مصر علي المستوي نفسه كي أحكم علي حال النظافة في مصر وقتها.. وهكذا!
لا.. العميدة السابقة التي تعلم طلابها مناهج البحث ومعها كافة مواد العلوم السياسية الأخري تركت كل ذلك.. واكتفت بحواديت السيدة والدة حضرتها عن فترة الاحتلال وأن الملك لم يكن فاسدا!! هل كانت رحمها الله تعمل في القصر؟ لا
هل كانت مؤرخة ؟ لا، هل التقت من يعرفونه؟ لا، هل كل مصر أو نصفها أو ربعها أو عشرها نظيفة كالزمالك وجاردن سيتي؟ لا طبعا.
هل كان شعبنا.. الحافي الأمي المريض الفقير العاطل -يستمتع بمطاعم وسط القاهرة وازيائها مع الأسرة المالكة والأجانب والإقطاعيين ؟ لا طبعا.. إنما كل ذلك ليس مهما عند الدكتورة علياء.. عميدة للسياسة والاقتصاد.. ولا أنصارها من مؤيدي عصر الاحتلال.. والطاعنون بأي طريقة في حكم أبناء الجيش العظيم.. فالمهم لديها.. ولديهم.. كلام السيدة الوالدة!
إلي رحمة الله.. البحث العلمي!
