سر نجاح محمد رمضان!
خدعوك فقالوا إن محمد رمضان هو سبب فساد المجتمع، ولو صحت هذه الفرضية لكان لزاما علينا أن نثبت أولا أن المجتمع كان صالحا إلى درجة المثالية، فجاء محمد رمضان ورفاقه فأفسدوا هذا المجتمع البكر وهدموا منظومته الأخلاقية، وهذا الفرض مغلوط إلى درجة السخافة، لأنه بني على فرضية لا توافق أي عقل سليم.
والحق يا عزيزي القارئ أن محمد رمضان ومن سار على دربه لم يفعلوا شيئا سوى أنهم نقلوا جزءا من الواقع إلى التلفاز، فإذا بنا نستنكر ما نراه ونسمعه في واقعنا المعاش، لمجرد أنه انتقل إلى الشاشات.. وإذا أردت أن تعرف واقعك فاقرأ صفحة الحوادث في أي جريدة، ستجد يوميا عشرات الزوجات يقتلن أزواجهن بالتعاون مع العشيق، وهي جريمة تشمل عدة جرائم، أولها خيانة العهد، ثم الزنا، ثم القتل، وكلها كبائر يحرمها الدين والقانون، فهل حرض محمد رمضان على ارتكاب هذه الجرائم، أم لم يعرفها مجتمعنا قبل ظهور نمبر وان.
ولا تظن أن هذه الجريمة هي الوحيدة المنتشرة في المجتمع، ولكن الجرائم المنتشرة حتى اعتادها قطاع كبير من المجتمع، وأشهرها الدعابات الجنسية بين الأصدقاء والصديقات، ويراها مرتكبوها هزار صحاب. ومن نافلة القول إن قطاعا لابأس به من المجتمع يقتل ويسرق ويروع ويقطع وهو يظن ذلك عبادة وقربى لله تعالى، والأعجب أنهم يروجون اليوم أنهم مظلومون، فهل رأيت يا عزيزي على مر التاريخ شيئا أعجب مما نحن فيه؟!
قواعد السوق
وعليه.. فإن الحديث عن طهارة المجتمع الذي لوثه محمد رمضان ورفاقه عبث لا يليق بأي عاقل. ولربما يقول القائل، هل فسد كل أفراد المجتمع ولم يبق أحد صالح يعبر عنه محمد رمضان؟ والحق أن الإجابة جد بسيطة، المجتمع ليس كل أفراده فاسدين، بل إن غالب أفراده ولو بنسبة بسيطة صالحون.
وهنا يصرخ المعترض قائلا: إذا لم لا ينقل محمد رمضان تلك النماذج الصالحة إلى الشاشة؟ والإجابة على السؤال الأخير أبسط من الإجابة على السؤال الأول، إنها قواعد السوق، وأصول الربح والخسارة، المنتج يريد أن يربح، ومحمد رمضان وكل المشاركين في العمل يريدون أن تظل أجورهم مرتفعة وأكثر أبناء مهنتهم شهرة، ولو صنعوا عملا من نوعية كله جميل وحلو فسيخسرون جميعا ولن يحقق عملهم المشاهدات الكبيرة التي تجلب الإعلانات وتجعل القنوات تتسابق على عرض أعمالهم.
وبالتالي فهم مطالبون بتقديم ما يريد المشاهد أن يراه، ويعبر عن واقعه وأحلامه معا، ونسبة المشاهدات المرتفعة جدا لمسلسل جعفر العمدة آخر أعمال محمد رمضان تنسف من الأساس فرضية نمبر وان ورفاقه الذين لوثوا المجتمع الصالح المثالي.
بل عليك أيها المتحمس للمثالية أن تسأل نفسك سؤالا هاما وهو لماذا ينجح محمد رمضان؟ والإجابة ذكرتها لك آنفا، محمد رمضان يعرف جيدا قواعد السوق، ويفهم نفسية الزبون ويعرف ما يريده، ملايين الشباب عاجزين عن تحقيق أوهامهم – ولا أقول أحلامهم – بالثراء الفاحش والقوة الخارقة واستعباد من حولهم بالثراء والقوة.
نمبر وان يفهم جيدا المنطق العجيب الذي يجعل الكل يريد أن يكون ثريا ويكون قويا، وكأن العالم ليس فيه مكان لفقير أو ضعيف، ولأن هؤلاء الملايين من الشباب بلا مؤهلات لتحقيق أحلامهم، فيلجأون لأشهر حيلة نفسية وهي التنفيس، ويجد جعفر العمدة يحقق له أحلام القوة والثراء وما يتبعها من هيبة وراحة وتعدد زوجات باعتبار أن المرأة مجرد دمية جنسية حتى لو كانت طبيبة أو مهندسة..
موهبة محمد رمضان
والمطلوب منها أن تصعق مجرد أن ترى "السرسجي" وقد أصبح غنيا مهابا، وإن كان هذا لا ينفي أيضا أن قطاعا كبيرا من البنات لديهن استعداد للعب هذا الدور مقابل الثراء وتحقيق أحلام اليقظة.
ولأن محمد رمضان متوسط الموهبة، فهو ليس من مدرسة عباقرة التقمص مثل محمود المليجي ومحمود مرسي وأحمد ذكي، ولا حتى من مدرسة الاجتهاد في الأداء مثل عادل إمام ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، فهو يلجأ لمن يعرفون سر الخلطة التي يحتاجها السوق.
والدليل.. نمبر وان في رمضان من العام الماضي لم يحقق نجاحا يذكر في مسلسله المشوار لأنه خرج عن النمط الفكري الذي يحتاجه "الزبون" ويرى فيه آماله وأحلامه، التي هي في الواقع أوهام. لذا لجأ محمد رمضان إلى رفيق دربه القديم المخرج محمد سامي، لأن الأخير ممن لهم معرفة دقيقة بمزاج الزبون، فيكتب ويخرج له مسلسل "جعفر العمدة".
ورغم أن محمد سامي ليس مؤلفا متميزا، فهو ليس أسامة أنور وعكاشة أو وحيد حامد أو محسن زايد، وكذا مخرج متوسط فهو ليس في عبقرية عاطف الطيب أو محمد خان أو حتى اجتهاد يحيى العلمي ومحمد فاضل في الدراما التليفزيونية، فقد حقق المسلسل نجاحا مدويا، والسبب ببساطة أن رمضان وسامي أجادا قراءة دماغ الزبون، وحققا له أوهامه مجسدة على شاشة التلفاز.
وقد يقول قائل: ما ذنب الذين يشاهدون هذه الأعمال وهم لا يوافقون على ما فيه من أفكار ومشاهد؟! الواقع الأمر بسيط.. "متتفرجش"، لأنه لا يوجد شيء يجبرك على المشاهدة، بل الأحرى بك أن تتفرغ للعبادة في الشهر الكريم، وإن كانت مثل هذه الأعمال معروضة في غير رمضان فهناك عملك وأسرتك وأصدقاؤك فانشغل بهم عن مشاهدة ما لا توافق عليه.
بل إننا لا نبالغ إذا قلنا من يهاجمون أعمال محمد رمضان وأمثاله بحجة أنها تفسد المجتمع، هؤلاء يلجاون لحيلة نفسية لا تقل شهرة عن الحيلة الأولى وهي حيلة الإسقاط النفسي والتي خلاصتها عملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، أي أنهم يبررون نقائص المجتمع بأنها ليست أصيلة فيه، بل استثناء سببه محمد رمضان وغيره من الممثلين.
والخلاصة أنه لا خلاف حول أن منظومة القيم تواجه انهيارا كبيرا في المجتمع المصري، وتحتاج إلى تضافر قوى اجتماعية مخلصة لترميمها، وليس سببها محمد رمضان أو غيره.
محمد رمضان نتيجة وليس سببا.