رئيس التحرير
عصام كامل

متلازمة الإصلاح والتنمية في مصر!

على مدار سنوات طويلة مرت على مصر وأعتقد بالتحديد منذ النصف الأول من القرن العشرين الذي شهد أعلامًا في الفكر الاجتماعي والتنويري والإصلاحي المعتدل الذي توغل في فكر المصريين وعقولهم وتخطى الحدود إلى كثير من دول العالم.. فلا نستطيع أن ننسى رواد الفكر الإنساني الذى أسسوا لمدارس إصلاحية عديدة ليس في مصر وحدها بل وفي كثير من دول العالم أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني وسعد وفتحي زغلول والأستاذ قاسم أمين وغيرهم من رواد الوعي في العصر الحديث.. 

 

وأعتقد أن هذه الفترة تحديدًا كانت مصر دولة رائدة في قيادة التغيير والوعي إقليمًا ودوليًا. وصاحبة قرار سياسي  واضح ومحترم وكانت داعمة اقتصاديًا لمختلف الدول العربية وصدرت للدنيا كلها الثقافة والفن والإبداع والإصلاح والسياسية! 

 

وربما شهدت الفترة من بداية الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات محاولات وتجارب ربما لم تكن مكتملة في الإصلاح الاجتماعي.. لكن معظمها أصابته حالة من الانطفاء والركود في فترة السبعينيات. متزامنة مع عمليات الاصلاح الاقتصادي المشوهة، وتجربة الانفتاح غير المخطط لها وغير المدروس توابعها وتداعياتها في نفس الوقت. 

 

والتي كان من أهمها تراجع الخصائص العامة للمواطن المصرى والانتقال بالفكر الإنساني العام من العمق إلى السطحية والابتعاد به من تقدير العمل والانتاج واحترام كل ما هو مصري وأصيل إلى ثقافة الاستهلاك غير الأمن، مع تقديس المنتج الأجنبي!


نظرية في الإصلاح الاجتماعي

ولعل هذه كانت هي نقطة بداية التراجع ليس في الاقتصاد وحده ولكن في السمات العامة للمنتج الإنساني المصري.. فلا أعتقد أننا نستطيع بحال الفصل بين ما هو إنساني وما هو اقتصادي أو إنتاجي بشكل عام.. فعادة ما يلازم تراجع الخصائص العامة للمنتج الإنساني أي المواطن تراجع في الخصائص العامة للمنتج الاقتصادي وربما العكس والذى يمكن أن نسميه متلازمة الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي!


كل ذلك دفعني منذ سنوات إلى التفكير في نظرية في الإصلاح الاجتماعي والتنوير تقوم على تحليل الأوضاع الإنسانية بشكل عام وتخرج بمجموعة من المؤشرات ربما تمكننا من فهم أوسع للمجال الاجتماعي وكيفية التعامل من العقلية الانسانية بشكل عام من خلال البحث في تكوين الانساني حسب فلسفة الطبيعة التى لا يختلف..

 

ونجيب على تساؤل عام كيف للمجتمعات والشعوب أن تتقدم وكيف يمكن غدارة المنتج البشرى وتطويره بسلام وكيف يمكن توجيهه لخدمة الأهداف العامة للدول والتي تتخلص حسب أقوال سقراط  ومكيافيلي في الهيمنة والقوة والاستقرار بوجه عام.. 

 

وكانت نقطة الانطلاق في النظرية هى الفكر باعتباره هو الركيزة الأساسية في التنوير والإصلاح بوجه عام.. وكما قال إميل سيوران  في كتابه "المياه كلها بلون الغرق "حين فشلنا في خلق إنسان يفكر فشلنا بطبيعة الحال في تكوين شعب، بل تشكل لدينا جمهور، جمهور مصفق، وجمهور لاعن، يصفق مرة، ويلعن مرة.. لكنه لا يفكر!


وبالطبع هناك فارق كبير بين الشعوب التى تشارك الدول والحكومات في بناء حضارتها والتي تتسم أفكارها بالعمق والرصانة والابتكار ولديها بناء عقلي وسيكولوجي مغاير تمامًا للبناء الفكري والسيكولوجي للجماهير التى تتسم بالسطحية وتتسم أفكارها واتجاهاتها بعدم الثبات.. الأمر الذى دفع علماء الاتصال بوصف الجماهير بأنها كالمرأة اللعوب تحتاج دائمًا إلى من يغازلها. بعكس الشعوب التى هى بالأساس منبع الحكمة والحضارة ومصدر الإلهام والتطوير.. 


إذن الانطلاقة هنا فى الإصلاح لا بد أن تكون من الشعب الذى يعد الوعاء الذي تنتخب منه الحكومات والقيادات.. وكلما كان وعاءً نظيفًا راقيًا كلما كانت قياداته راقية.. وكلما كان وعاءً فاسدًا كلما كانت حكوماته فاسدة.. إذن ليس منطقي أن نهتم بإصلاح الحكومات تاركين الشعب بلا ضابط يحكمه نزاهتها.. فالعمل على اصلاح الحكومات دون الشعوب مجرد جهد مهدر لا طائل منه سوى الانزلاق إلى القاع والتراجع والتخلف والفساد!

 


والسؤال هنا يتعلق بإصلاح الشعوب وكيف يمكن أن يكون  وماهي الصورة المثلي للشعوب الناهضة والأخذة في التحضر.. وماهي آليات هذا الإصلاح.. وهل يمكن اختزال الإصلاح في الاصلاح الاقتصادي أو الديني فقط.. أتصور أن مفهوم الاصلاح أعمق وأكبر وأن الإصلاح الاجتماعي يجب أن يكون الأساس في عملية التغير والتطوير وهو ما سوف نركز عليه في بناء نظريتنا الذى سوف تتشكل عبر مقالتنا القادمة.. 

الجريدة الرسمية