نقابة الصحفيين خارج العصر !
صحيح أن مبنى نقابة الصحفيين في وسط البلد أرقى وأضخم وأشيك مبنى لنقابة صحفيين في العالم ولكن الصحيح أيضا إنه مبني بلا روح ولاطعم عكس المبني القديم البسيط، وقد حصل معظم أبناء جيلي على قدر كبير من أصول المهنة من حديقة نقابة الصحفيين، حيث كان هناك ما يشبه الصالون المهني يوميا من المغرب لمنتصف الليل، كنا نسمع تقارير يومية عن الانفرادات والمشاغبات وعلاقات الزملاء الكبار برؤساء التحرير والوزراء والمشاهير، وكانت تلك الحوارات اليومية تعري الزيف وتكشف المستور فكانت دروسا لنا لم نسمعها في كلية الإعلام..
والغريب أن هؤلاء الكبار كانوا يرحبون بنا بينهم، وكانت النقابة وقتها ملاذا للمضطهدين والمغضوب عليهم أيًا كان عضوا بالنقابة أو تحت التمرين، أيامها كانت النقابة بلا أبواب وتفتح ذراعيها للجميع اعتقادا بأنهم زملاء المستقبل بل أكثر من هذا أن شلة الحديقة كانت تتكفل بالمشروبات اليومية بحكم الظروف الصعبة للوجوه الجديدة، هكذا كانت حتي جاء علينا حين من الزمن لا يرغب البعض في رؤية غير الأعضاء في النقابة..
صحيح أن النقابة أيام زمان كانت بسيطة وأنيقة وبها دفء وابوابها مفتوحة للغريب قبل القريب كانت هناك تقاليد غير مكتوبة منها إن دار النقابة يتسع للجميع، وخاصة لمن هم خارج الإطار، حيث تشترط نقابة الصحفيين بنص المادة 65 أنه “لا يجوز لأي فرد أن يعمل في الصحافة ما لم يكن اسمه مقيدًا في جداول النقابة”. وتشترط للقيد في النقابة أن یكون صحفیًا معینًا في صحيفة ورقية، ویمتلك أرشیفًا صحفیًا وهو ما يخرج من دائرة الصحفيين النقابيين عدد كبير من الصحفيين العاملين في المجال..
قانون نقابة الصحفيين
وظل السؤال الازلي في النقابة ممارسة المهنة أم الالتحاق بالنقابة، والسؤال هنا أيهما يأتي أولًا ممارسة المهنة، أم الالتحاق بالنقابة؟! وبالإجابة على السؤال تجد مفارقة كبيرة، حيث إن قانون نقابة الصحفيين “يشترط لقيد الصحفي في جدول النقابة والجداول الفرعية أن يكون صحفيًا محترفًا غير مالك لصحيفة” (مادة 5)، وأن يكون له أرشيف أعمال يتقدم به للجنة القيد (مادة 7) وأن يكون الصحفي معينًا بإحدى المؤسسات الصحفية.
وكل ذلك يستدعي ممارسة المهنة قبل الانضمام للنقابة وهكذا اصبح قانون نقابة الصحفيين يعج بالكثير من الإشكاليات والتناقضات التي لا توجد أي إطار قانوني لحماية الصحفيين غير النقابيين، وتجعلهم معُرضين للاتهام في أي وقت، ولم يعد هذا القانون ملائمًا للأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية، كما لم يصبح مواكبًا للتطورات التكنولوجية وعدم ملائمته للأوضاع السياسية والاجتماعية..
ليس من المعقول أن يكون القانون الذي ينظم عمل نقابة الصحفيين في مصر هو قانون تم إصداره في عام 1970 في فترة الاتحاد الاشتراكي العربي. فالمادة الرابعة تتحدث عن جداول النقابة، وأن لجنة القيد عليها أن تودع نسخة من هذه الجداول في الاتحاد الاشتراكي العربي ووزارة الإرشاد القومي.
وكذلك عدم ملائمة القانون للتطورات التكنولوجية في المجتمع الصحفي: في الوقت الذي تحتفل بعض الصحف العالمية بإصدار آخر طبعة ورقية والتحول إلى الصحافة الإلكترونية، يفرض قانون نقابة الصحفيين على الصحفي طالب القيد بالجداول أن يكون تم تعيينه في صحيفة ورقية ومعتمدة من المجلس الأعلى للإعلام.
مما يحول دون تسجيل العديد من الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية، والرأي أن عضوية النقابة لا يجب أن ترتبط بعقد تعيين في جريدة ما لان ذلك هذا هو أس الفساد.. عضوية النقابة يجب أن يكون مؤهلها هو العمل الصحفي والممارسة بعد الدراسة في الكليات والمعاهد المتخصصة وبعد تقديم أرشيف صحفي يتم تقييمه..
أما ممارسة العمل الصحفي فلا يجب أن تتاح من الأساس إلا بتصريح من النقابة. مثلما يحدث في نقابة المهن التمثيلية التي تعتمد على الموهبة، فلا يسمح لأحد أن يمارس العمل إلا بتصريح من النقابة ثم ينضم للنقابة بعد الحصول على عدد من التصاريح وهذا لمن هم من خريجي كليات بعيدة عن التخصص.