ملحمة طابا ليست مجرد معركة
طابا هذا الجزء الصغير من تراب مصر سجل ملحمة لاستعادته، فقد كان معركة قانونية ربما لم تكون مسبوقة، جندت مصر أفضل أبنائها للدفاع عن حقها في ترابها، المشكلة بدأت قبل 25 أبريل 1982، وهو الموعد المحدد للانسحاب النهائى لقوات الاحتلال الاسرائيلى من سيناء، حول النقطة91. ولكن ماهى قصة العلامة 91؟
هى آخر علامة لخط الحدود بين مصر وفلسطين تحت الانتداب طبقا لاتفاقية 1906، وهذه العلامة تقع فوق هضبة شرق وادى طابا وتطل على خليج العقبة، وبدأ ترقيم علامات الحدود عام 1906 من رفح فى الشمال انتهاء برأس طابا فى الجنوب على خليج العقبة، وحاولت اسرائيل المماطلة والمرواغة حتى يحدث تأجيل للانسحاب النهائى من سيناء، ولكن تم الاتفاق إلى إرجاء هذا الخلاف إلى المحكمة الدولية، لابد من الإشارة إلى أن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، قد حددت أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.
لابد أن نشير إلى الفريق المصرى، الذى تم اختياره كان موفقا لاقصى درجة، بل إعتبر اختيارا لم ينحاز فيه قرار الدولة المصرية إلى الحزب الوطنى الذى يتحكم في كل شىء، أو تم اختيار أسماء لقربها للحكومة أو لرئيس الجمهورية، فقد كان الإختيار أمينا لم يضع صاحب القرار نصب عينه سوى مصلحة الوطن.
أعضاء الوفد المصري
كان من ابرزهم الفقيه القانونى الدكتور وحيد رأفت القطب الوفدى الكبير، ومن المستقليين الاكاديمين الدكتور صلاح عامر، الدكتور طلعت الغنيمى، الدكتور يونان لبيب رزق، والحقيقة أن كل مصرى كان يرى أن استعادة طابا ليست مرتبطة فقط في الذهنية الدبلوماسية والسياسية القانونية المصرية برفض التفريط في تراب الوطن ولكن بتأكيد ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى المحتلة كافة حسب قرار 242 الذى دار خلاف حول تفسيره بين من يرى أن الانسحاب يجب أن يتم من كافة الأراضى التى احتلتها إسرائيل في 1967 أو من أراضى ليست بالضرورة كاملة حسب النص الإنجليزى المراوغ للقرار ذاته.
ولأهمية هذه المعركة كتب السفير نبيل العربى الذى شارك فيها وكما ذكر فى مذكراته "طابا.. كامب ديفيد.. الجدار العازل – صراع الدبلوماسية من مجلس الامن الى المحكمة الدولية": لا شك أن النجاح فى مسئولية ملف استعادة طابا من الاحتلال الإسرائيلى إلى السيادة المصرية يمثل أهم إنجاز فى حياتى المهنية.
من هنا ندرك أن معركة طابا لم تكن مجرد معركة بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر، أو بين فريق كفء وآخر غير كفء، ولكنها معركة استخدمت فيها كل الأسلحة من القانون، الوثائق، الشهود من الخمسينات من جنسيات أخرى، الاستعانة بآخر وزير حربية أيام الملك فاروق، بالرغم من مساحة طابا لا تزيد عن كيلومتر مربع، ولكنها كانت تمثل كرامة وعرض مصر ولابد المحافظة عليه حتى لو كان بالحرب مرة أخرى.
واجه الفريق المصرى الكثير من الصعوبات يرجع إلى أن هذا الجزء من الأراضى المصرية كان موقعا للقوات الدولية في مرحلة ما بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وكانت المعلومات المتوفرة لديها ضئيلة ولم يتم تحديثها، لهذا قام الفريق المصرى بالبحث عن الضباط الذين عملوا فى ذلك الوقت فى إطار القوات الدولية وكان من بينهم ضباط من الدانمارك التى رفضت التعاون مع مصر..
ولكن يوغسلافيا التى أبدت التعاون مع مصر من خلال شهادة ثلاثة أكدوا موقع العلامات المرسمة للحدود الدولية بين مصر فلسطين تحت الانتداب، وكان لشهادتهم تأثير واضح على هيئة التحكيم التى أكدوا أمامها في شهادة مشتركة أن مهمة الكتيبة اليوغسلافية لمدة عشر سنوات كانت القيام بدوريات غرب الهضبة، وأن خرائطهم الرسمية تؤكد أن خط الحدود يمر على هضبة طابا وليس فى وادى طابا كما تدعى إسرائيل.
هناك العديد من الملاحظات المهمة التى ذكرها الدكتور مفيد شهاب أحد أبرز الفريق القانونى في معركة استرداد طابا، أن الرئيس حسنى مبارك كان يتابع بشكل مباشر فريق العمل، بالاضافة إلى أهمية العمل الجماعى والإستفادة من كل خبير يمكن الاستفادة منه بدون الدعاء إننا نعرف كل شىء، وهذا ما أكده السفير نبيل العربى..
رفع العلم المصري على طابا
وهذا كان له آثر طيب في زيادة حماس الفريق وهو يعمل، وبناء على هذا تم الاستعانة بشهادات الفريق كمال حسن على الذى أدلى بشهادته حول زيارته مع آرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق للهضبة الشرقية، وإسماعيل شيرين آخر وزير حربية في عهد ملك فاروق الذى كان قد بادر للاتصال بالعربى وأصر على تقديم شهادته من المستشفى بعد أن أصابته أزمة قلبية قبيل ذهابه للمحكمة..
واللواء عبدالحميد حمدى مساعد سابق لوزير الدفاع والذى كان ملازما في الجيش المصرى عام 1950 وقضى ثلاثة أشهر مع وحدته التى كانت تعسكر في وادى طابا لحماية الحدود المصرية، واللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية السابق، والدكتور يوسف أبوحجاج المسؤل عن الجوانب الجغرافية.
ومن الملاحظات المهمة أن الوفد الاسرئيلى أثناء التفاوض قدم عروضا إسرائيلية لإقامة مشروعات مشتركة في المنطقة من بينها بناء مستشفيات متخصصة ومنشآت سياحية تدر دخلا كبيرا للدولتين تم رفضها جميعها.. يقول الدكتور نبيل العربى: البطل كان الأسلوب الذى اتبعته مصر فى الإعداد للمفاوضات مع إسرائيل، وكان الرئيس مبارك يقول لى فى كل مرة «أنت المسئول أمامى» ومع ذلك لم يقدر مجهوداتى ولا فكر في تكريمى؛ بل صدرت تعليمات لى ووزير الخارجية ووزير الدفاع بأن نجهز كلمة لإلقائها أمام البرلمان المصرى بحضور الوفد كله ثم صدرت أوامر بإلغاء الاحتفالية..
وبعد فترة وردت إلينا تعليمات بأنه في يوم 19 مارس سيقوم الرئيس مبارك برفع العلم المصرى على طابا وعلى جميع أعضاء الوفد الحضور وسيصافحنا الرئيس ويشكرنا شخصيًا فردا فردا.. وحدث بالفعل ووقفنا فى انتظاره وقبل أن يصل إلينا كان يقف على يميننا مجموعة من الفنانين (يسرا وفريد شوقى وهشام سليم) وهتف فريد شوقى «ياريس» ثلاث مرات..
فالتفت مبارك إليه وذهب إليهم وظل يمزح معهم ويضحك ثم انصرف بعدها مباشرة ولَم يعد إلينا، وبعدها بشهرين طُلب منى إرسال أسماء أعضاء الوفد المفاوض لأن الرئيس مبارك سيمنحنا النياشين، ولَم يحدث ذلك ولَم أعلم ما السبب؛ وبعد 15 سنة قام الرئيس عدلى منصور بتكريمنا ولم نكن بالطبع كلنا حاضرين لان فيه ناس اتوفت وآخرين حالتهم الصحية سيئة أو تقدموا في العمر".