رئيس التحرير
عصام كامل

خناقة كل يوم داخل السيارة

السؤال التالي للسادة المتزوجين فقط، ويمكن للسيدات المتزوجات المشاركة بالرد لكن بلا صوت، إذ يكفي أنهن يطلقن صواتهن وصرخاتهن ونحن نقمع غيظنا، نمنعه من الانفجار..
السؤال هو: ما هو المكان الذي يمكن أن تشتعل فيه أعصاب الزوج والزوجة فجأة، لحد الانفجار؟ هل هو البيت؟ البيت ممكن. وخصوصا في غرفة النوم أو في المطبخ أو على باب الشقة نتيجة غيظ متراكم تلقى إبرة فانفجرت البالونة الممتلئة. هل هو الشارع؟ ممكن مع بعض التحفظ، هل في المواصلات؟ صعب أيضا لكثرة العيون المحدقة والمحيطة.


أنا أقول لك عن تجربة طويلة عميقة ممتدة أن السيارة هي المكان الذي يغري الزوجات عادة بإشعال أعصاب الزوج. يقود الزوج، وبجواره زوجته، وبعد دقيقة تبدأ أعراض ضابط المرور تحل فيها بقوة، وتتلبس الزوجة حالة قيادية، فتتغير اللهجة وتنطلق التوجيهات: اطلع على طول. ادخل يمين وبعد اليمين يمين فشمال، انتبه الرجل امامك لا تقتله، سواقتك بطيئة تعل وتفرس. مشيت من هنا ليه، ما كنتش هناك ليه، دماغك ناشفة، مفيش فايدة فيك!


من تجارب الصراخ السابقة الناجمة عن مثل هذا التدخل الضاغط علي الأعصاب، تراودك أفكار تتعلق بضبط النفس والآخذ بالحكمة والتعقل، لكن ضابطة المرور الجالسة على حافة المقعد بجوارك تمارس وظيفتها بمنتهى الإخلاص والجدية، ومصممة علي قيادة السيارة بعقلها ولسانها، وبقدميك وذراعيك. 

قيادة مزدوجة 

في البداية يتحمل الزوج، ربما هي روح شريرة حلت بالست، سرعان ما تنصرف، لكن يتبين لك بالتكرار الممل لسنوات أنها لا تنصرف. بالطبع يضيع جهدك سدى إذ تشرح أن السيارة ينبغى عقلا أن يقودها فرد واحد إما هي أو أنت، وتبدو لك مقتنعة وموافقة ومنشرحة، لكن ما أن تبدأ في تدوير السيارة، وتحط هي علي المقعد بجانبك حتى تتحول: خش من الشارع اللي جي. امشي دوغري!


بالطبع لا يمكن السكوت طويلا بعد الخمس الدقائق التالية لحملة المرور التى خرجت من أجلك وحدك واخترتك بل قبعت بجوارك، فالسكوت بعد هذه الدقائق الخمس هو بوابة أمراض القلب والضغط، فافضل الحلول هو اجهاض حالة التنمر داخل السيارة بشن هجوم مضاد، يبدأ بان تنفذ ما في دماغك ولا تكترث لأي إشارات مرور داخل السيارة أو خارجها.


يترتب على هذه المقاومة هجوم مضاد لهجوم المضاد، ينعكس كل ذلك على عصبية قدميك وقبضتيك. القدمان تضغطان بقوة علي دواسة البنزين، أو الفرامل، حسب الظروف، والقبضتان تخنقان عجلة القيادة خنقا، أم العيون فتطلق زغرات مغيظة نحو ضابط المرور القابع بجوارك نشيطا، يأمر ويوجه وينهي ويزجر!


لماذا؟ لماذا يحرص البعض على ألا يفهم أن ثمة أشياء لا يجوز أن يديرها عقلان ولسانان في آن؟ لماذا تقع حالة التلبس المروري هذه ببعض الناس؟


جلسات مع بعض الأصدقاء كشفت انهم يعانون من القيادة المزودجة للسيارة الواحدة. لما سآلونى هل تعاني مثلنا؟ هل تقود زوجتك سيارتك وأنت الجالس أمام عجلة القيادة؟ أومأت برأسي حزينا لبرهة ثم أطلقت ضحكة قوية أعقبها صمتنا جميعا وقلت بصوت مستسلم باسم: انها تقودني أنا فليس مثيرا أن تشاركني قيادة السيارة.. كبر دماغك إنت وهو واستسلموا ترتاحوا!

 


نظر إلي بعضهم في اشمئناط، وبعضهم في استغراب، وبعضهم مقتنعا مستحسنا. بعد أسبوع جلسنا وكان ينقصنا من اقتنع واستحسن، وسألت عنه فقالوا في أسى أخذ بنصيحتك وهو الآن في الجبس، بعد كسور مضاعفة وزوجته!
حزنت قليلا لكنى تعجبت بصوت عال: هو أنتم صدقتوني؟
تقريبا وجدت قبضات غاضبة عديدة تتربص بوجهي.. 

الجريدة الرسمية