مزرعة الدواجن
في مملكة جبال الملح، على بعد آلاف الأميال من هنا وآلاف الأجيال من الآن، عاش الناس في كنف الملك سوخو، الذي ورث البلاد عن جد جد أبيه، وكان رجلا من أهل الفرفشة والنغنشة، يسهر حتى الصباح، فقد كان ليله نهارا ونهاره ليلا.
وفي إحدى الليالي الملاح، وبعدما ارتوا سوخو من الخمر وانتهى من اللعب والزمر.. قرر أن يمنع الطعام عن البشر، ويمنحه فقط للدواجن، وذلك وفقا لرؤية طويلة تكررت في مناماته النهارية، إذ رأى في ما يرى السكران رجالا بطواقي حمر وذيول من ريش.
وحين قص الحاكم رؤياه على مسامع وزيره الأول سنهور بن مشهور، قال الرجل لمولاه إنه لا خير في بشر ولا حجر.. وإن الجميع يكيدون له ما عدا الدواجن، فتلك كائنات مسالمة لا غرض في نفسها ولا رغبة لديها في سلطة، فكل ما تحلم به كسرة خبز مبلولة وشربة ماء مضمونة.
وعليه، قرر سوخو ذلك القرار، بأنه لا طعام إلا للديوك والفراخ وصغارها من الكتاكيت اللطاف.. فذاع المنادي الخبر في الأرجاء.
ثار الناس لأيام، وحين اشتد بهم الجوع، قرر البعض منهم أن يتقمص دور الديوك والفراخ، فراح هذا يكاكي وذاك يصيح، وسرعان ما فتحت العشش فدخلوها آمنين، ورقدوا في الأركان، شاكرين حامدين ما يوضع أمامهم من فتافيت الخبز وأواني الماء.
هكذا كان حال البعض الذين ارتضوا أن يصبحوا من الدواجن، أما باقي الناس فمنهم من اختبأ ومنهم من هاجر.. ثم مرت أعوام وأعوام.
في المهجر، اعتاد الذين فروا عيشة صعبة لكنها كانت لهم أرحم من ذل سكنى العشش والعيش على فتافيت الخبز، أما الذين اختبأوا فمات منهم من مات، وحول الجوع من بقي منهم إلى ذئاب فتاكة، تنتهز الليل فتخرج إلى العشش لتلتقط بعضا من الخبز وجرعات الماء، ثم يعودون إلى مخابئهم قبل طلوع النهار.
وفي ليلة من ليالي الحاكم سوخو البهية، شعر الرجل بالملل والضجر، فأمر أتباعه أن ينشروا بيانا بين سكان العشش بأن فتافيت الخبز لن توزع إلا للدواجن البياضة، وأما تلك التي لا تبيض من إناث وذكور سوف تقطع رقابها وتنثر لحومها في الجبال لتأكلها الوحوش.
جاهد سكان العشش كثيرا وحاولوا كثيرا، فنبت على أجسادهم الريش، لكن أحدهم لم يبيض ولو بيضة واحدة، فراح الحاكم يقطع رقابهم واحدا تلو الآخر، حتى قضى على نصفهم. ولما بلغ ذلك الأمر الفارين في الجبال والمختبئين هنا وهناك، نزل هؤلاء إلى المملكة وفتكوا بالملك الجبار وأتباعه إلا حفنة من هؤلاء الأوغاد، الذين قالوا للثائرين إنا معكم.
تحررت المملكة من سوخو اللعين، وفتحت أبواب العشش.. وانتظر الناس خروج أقرانهم المدجنين.. وانتظروا.. وانتظروا.. لكن أحدا لم يخرج. لكن انتظروا، فها هو أحدهم يطل علينا بعرفه الأحمر الزاهي، ويصيح: كوكو كوكووووووووووووووووو.