آسيا تكتب التاريخ
حين تنهض الأمم يعم النهوض مناحي الحياة، وحين تفشل يكون الانهيار كذلك شاملًا.. صحيح أن الولايات المتحدة تقود العالم، لكن نمور آسيا بدأت التمرد على القطب الواحد، سعيًا لعالم متعدد الأقطاب لا يتغول فيه أحدأ على البقية، ويبرز في هذا الصدد الصين وروسيا وبعدهما الهند، وأخيرا انضمت إليهم السعودية، التي تقود العالم العربي وأصبحت عاصمة القرار.
تحاول الولايات المتحدة وسط سيطرتها على العالم، التخلص من العنصرية والتمييز في الداخل وبلغت ذروتها في قطاع الترفيه، من هنا اتخذت إجراءات عدة لدمج الملونين والنساء وتغيير معايير منح جوائز السينما والموسيقى.
واجهت أكاديمية الأوسكار تحديًا مزدوجًا لإثبات عدم عنصريتها تجاه الأقليات والنساء، وزيادة عدد مشاهدي الحدث السينمائي الأهم، بعد انصراف الجمهور عنه في النسخ السابقة، فعلى صعيد المشاهدة، ارتفعت المتابعة 12 بالمئة عن العام الماضي، وحقق الحفل أكثر من 27 مليون تفاعل عبر منصات الميديا وكان الأكثر تداولًا في العالم عبر تويتر.
يمكن اعتبار النسخة الخامسة والتسعين تاريخية، إذ حفلت بالانجازات وكتابة التاريخ بعيدا عن الولايات المتحدة، والعديد من المشاهد المميزة التي سيطرت على الميديا.
السينما الآسيوية
كما كان متوقعًا، هيمن فيلم Everything Everywhere All At Once على حفل الأوسكار، إثر فوزه بسبع جوائز في فئات رئيسية، بينها أفضل فيلم، أفضل ممثلة لبطلته ميشيل يو، أول ممثلة من أصل آسيوي تنال الجائزة المرموقة، بعد تألقها في العمل الذي يجمع عناصر الحركة والكوميديا والخيال العلمي والعوالم الموازية.
حصد الفيلم جميع الجوائز السينمائية التي وُزعت قبل حفل الأوسكار، بفضل حبكته المبنية على أفكار مؤثرة عن حب العائلة، تولى ترجمتها على الشاشة فريق عمل لامع معظم أعضائه من الآسيويين، وكان لهيمنة الآسيويين على طاقم عمل الفيلم رمزية كبيرة في هوليوود، التي تواجه انتقادات بسبب نقص التنوع فيها.
شكرت الماليزية ميشيل يو، أول آسيوية تفوز بأوسكار أفضل ممثلة، الأكاديمية، وقالت "نحن نكتب التاريخ". وتقاسم مخرجا الفيلم -الغريب إلى حد ما- دانيال شينرت ودانيال كوان، جائزة أوسكار أفضل مخرج، بينما حصد نجما الفيلم الآخران، كي هوي كوان وجيمي لي كيرتس، جائزتي أفضل ممثل مساعد لدى الجنسين، وقد بكى كلاهما على المسرح عقب الفوز..
خصوصا كي هوي كوان المتحدر من أصل فيتنامي، حيث تجاهلته هوليوود لنحو 20 عامًا بسبب أصوله الآسيوية، بعدما عرفه الجمهور طفلًا في فيلم "Indiana Jones"، وقال باكيًا: لا أصدق ما يحدث، بدأت رحلتي على متن قارب، أمضيت عاما في مخيم لاجئين وبطريقة ما انتهى بي المطاف في أكبر مسرح هوليوودي.. انه الحلم الأميركي.
تعاطف الجمهور بشكل لافت مع رقي النجمة جيمي لي كيرتس، حين أشادت بزملائها في خطابها المؤثر أثناء تلقيها جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن الفيلم نفسه، معتبرة أن مئات من زملائها فائزين معها، واستذكرت والديها الراحلين واللذان ترشّحا لجوائز أوسكار ولم يحصلا عليها، وخلال كلمة جيمي لي كيرتس، التقطت الكاميرا المرشحة للجائزة نفسها أنجيلا باسيت، حزينة حتى أنها لم تصفق للفائزة، ولم تتقبل ذهاب الأوسكار لفنانة أخرى.
ومع فوز المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو، بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة عن "بينوكيو"، دخلت مصممة الأزياء روث إي كارتر، التاريخ وأصبحت أول سوداء تفوز بجائزتي أوسكار، حيث نالت روث إي كارتر، أوسكار أفضل تصميم أزياء، عن فيلم بلاك بانثر: واكاندا فور ايفر، وسبق أن فازت قبل أربع سنوات بأوسكار أفضل تصميم أزياء عن بلاك بانثر، ما جعلها أول أميركية من أصل أفريقي تفوز في هذه الفئة.
الموسيقي الهندية
كما دخلت الهند التاريخ بنيل "أوسكارين"، بعد فوز "Naacho Naacho"، الأغنية التي حققت نجاحًا باهرًا في فيلم الأكشن "RRR" بجائزة أوسكار أفضل أغنية أصلية، واقتناص فيلم "The Elephant Whisperers"، جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير، ويزيد من فرحة الفوز، أن الأغنية الفائزة بالأوسكار، تفوقت في المنافسة على أغنيتي نجمتي الغناء ريهانا وليدي غاغا.
وقال الملحن إم.إم كيرافاني، أثناء تسلمه الجائزة مع مؤلف الأغاني تشاندرابوس: أشعر أنها فقط البداية حتى يركز العالم الغربي أكثر على الموسيقى الهندية والآسيوية، وهو أمر طال انتظاره.
أما منح الفيلم الوثائقي "نافالني"، جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل فتم مقابلته بانتقاد روسي، باعتبار أنه يُظهر جانبا من التسييس في هوليوود، وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بالطبع هناك جانبا معينا من التسييس في الموضوع، وهوليوود معتادة على السياسة.
لم تتخلل الأمسية أية مشاكل، بل كان بدايتها مميزة، إذ حلقت طائرتان مقاتلتان فوق مسرح دولبي، في إشارة إلى فيلم "Top Gun: Maverick" بطولة توم كروز، الذي ساهم أخيرًا في إنعاش دور السينما، فضلا عن فقرتين مميزتين لنجمتي الغناء ريهانا وليدي غاغا.
