فجوات تستوجب محاكمة
تجتهد الحكومة لتخفيف حدة فشلها، ليس بالعمل والإنجاز وتغيير النهج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل بالكلام والتصريح بمعلومات مغلوطة، ظنًا أن المواطن مغيب ولا يدرك حجم التخبط وتفشي الفساد مع سوء الإدارة وغياب الرقابة والمحاسبة.
لجأت الحكومة في بياناتها وتصريحاتها إلى استخدام مفردات مختلفة، ربما لتقليل وقع الصدمة على المتلقي، فأصبحت تقول تمويل بدلا من قروض وديون، وتستخدم مفردة فجوات بدلا من الشح والعجز، فضلا عن الإكثار من تعبير الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، بدلا من الأزمة الطاحنة محليا..
وفيما يخص هذه الأخيرة فقد نفى بيان صندوق النقد الدولي بعد الاتفاق على القرض الجديد، أن تكون الحرب سببا فيما تشهده مصر من عجز مالي وأزمة اقتصادية، مؤكدا أن خلل الاقتصاد المصري موجودا قبل بدء الحرب وكذلك العجز، وأن الحرب كشفته..
حيث لم يعد بالإمكان إخفاء الأزمة نتيجة أسباب كثيرة منها سوء الإدارة والبذخ غير المبرر والإصرار على تنفيذ مشاريع مليارية دون أن يكون لها عائد ينعش خزينة الدولة أو معيشة المواطن أو التنمية، ولكي يوافق الصندوق على قرض ضئيل فرض وصايته على الحكومة لكي تضبط نفقاتها وتوقف الهدر في مشروعات بلا عائد.
لم تكتف الحكومة بسيل التصريحات عن الفجوات الحاصلة في مجالات عدة، نتج عنها غلاء فاحش وأسعار تزداد كل ساعة وليس كل يوم، بعدما أدرك التجار والباعة أن الحكومة غير قادرة على محاسبة أحد ولا خطط لديها لضبط الأسواق ومعاقبة المحتكرين، لدرجة أن حديث الفجوات شابه كثير من التخبط حتى أن الحكومة لم تستطع ضبط وتوحيد تصريحاتها، ما يستوجب محاكمتها على ما أوصلتنا إليه من بؤس ومعاناة، وتندر من أراذل البشر.
الأزمة مصرية
بداية يجب الاعتراف أن الأزمة مصرية أكثر منها عالمية، نتيجة سوء الإدارة والإنفاق الباذخ في غير مواضعه المفترضة، بدليل ان معدل التضخم آخذ في الانخفاض عالميا ولا يزداد إلا في مصر، ثم ان ارتفاع الأسعار يحدث بنسب ضئيلة تكاد لا تشعر بها الشعوب لأن الفرق كبير جدا بين دخل المصري ونظرائه في العالم، فضلا عن أن حكومات العالم تلزم التجار بأسعارها ولا يجرؤ كائن من كان على التلاعب بها مثلما يشاء إلا في مصر!!
يتجلى تضارب التصريحات في قول رئيس الحكومة إن لدينا اكتفاء ذاتي من الأرز، بينما يعلن وزير التموين عن استيراد آلاف أطنان الأرز لسد الفجوة، كما كشف رئيس شعبة الأرز أن أصحاب محصول الأرز حجبوه ورفضوا بيعه ولم يستجيبوا لأسعار الحكومة رغبة في مضاعفة أرباحهم، ما أدى لشح المعروض وزيادة سعره، فقامت شركات عدة بالاستيراد من الخارج وأعلنت الدولة عن استيراد أسبوعي للأرز لمواجهة ارتفاع الأسعار.
فيما يخص حل أزمة الدواجن بالاستيراد، نجد أن عشوائية قرارات الحكومة سببا في الأزمة، وقد أوجز المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء ما حدث بقوله "شحنات الأعلاف كانت محجوزة في الجمارك، والدولار غير متوفر للإفراج عنها، ما تسبب في الأزمة وارتفاع الأسعار بهذا الشكل".
ونضيف نحن على ذلك أنه حين يكون سعر الدواجن البرازيلية نصف سعر مثيلتها المصرية، رغم تكاليف الشحن والجمارك وهامش الربح وغيرها الكثير، فهذا يعني أن المشكلة العيب فينا نحن، والحكومة غير قادرة على التصدي والمحاسبة.
يدعو رئيس الحكومة إلى ترشيد استخدام المياه لنقص مواردنا منها، ونذكره بأن ملف سد النهضة الإثيوبي تحت إشرافه شخصيا والجميع يعلم ما حدث بشأنه، كذلك الأمر حين يعتبر أن الزيادة السكانية حياة أو موت، وهو شخصيا الذي يمنح الجنسية المصرية لأسر كاملة من اللاجئين، فضلا عن استقبال أكثر من 15 مليون لاجئ، أليس هذا زيادة سكانية وأعباء إضافية على مصر وضغط على الخدمات والبنية التحتية، أم أن الزيادة السكانية تتعلق بالشعب فقط؟!.