الدولة وتنمية الصعيد
لقد كانت زيارة السيد الرئيس لمحافظة المنيا مجددة للآمال ومكرسة لمفهوم الدولة التنموية الرحيمة التى تنحاز دائمًا لصالح البسطاء من أبناء الشعب مهما كانت الظروف التي تمر بها الدولة قاسية. فقد عاش الصعيد منسيًا لسنوات طويلة الأمر الذى أحدث خللًا فجًا في توازن معدلات التنمية بين الوجه البحرى والقبلي. وغيَّب بشكل واضح قيم العدالة الاجتماعية التى تقوم على مبدئي الاستحقاق وتكافؤ الفرص..
الأمر الذي تسبب فى وقوع عديد من قرى ونجوع الصعيد في براثن للفقر الريفي المدقع الذى تجاوز فى بعضها الـ 60%.. وعانت من افتقار شديد في شبكات مياه الشرب والصرف الصحي.. وأسفر تقرير الدخل والانفاق الذي أجراه الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء الذى صدر فى نهاية عام 2025 عن أن أسيوط سوهاج وقنا هن المحافظات الأشد فقرا بين محافظات الجمهورية. وأن تقريبًا ثلثي القرى الأكثر فقرًا تقع فى صعيد مصر.. ناهيك عن ارتفاع معدلات الأمية والبطالة والهجرة بوجه عام.
ولعل كل هذه الأوجاع التى ظل الصعيد يئن منها لعقود من التجاهل والحرمان هى من دفعت الحكومة بتوجيه مباشر من السيد الرئيس إلى أن تشد رحالها إلى الجنوب حاملة فوق ظهرها بشائر التنمية، مستهدفة تخليص الصعيد من فقره العتيق وتداعياته الموجعة.. خاصة وأن سكان الصعيد يمثلون 40% من حجم السكان، إذ وصل تعدادهم حسب الاحصاء الأخير قرابة 36 مليون نسمة..
التنمية الاحتوائية
وعلى مدار 8 سنوات من تولي السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي المسئولية والعمل الجاد؛ قامت الدولة بضخ نحو 1.5 تريليون جنيه لتنمية محافظات الصعيد، وذلك من إجمالي 7 تريليونات جنيه من الاستثمارات التنموية على مستوى الجمهورية. وهو ما يمثل نحو ربع الاستثمارات التنموية الكلية التي أنفقتها الحكومة في مختلف قطاعات التنمية.
حيث قامت الحكومة بتنفيذ حوالي 4119 مشروعًا تنمويًا بالشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، كان للصعيد النصيب الأكبر منها. حيث وصلت نسبة التغطية الحالية لمياه الشرب إلى 98% مقارنة بنحو 85% في 2014 ونسبة التغطية الحالية لخدمات الصرف الصحي 33% مقارنة بـ 22% عام 2014. كما مد وصلات الغاز الطبيعي إلى حوالى 1.1 مليون وحدة سكنية.
وفى اطار اتجاه الدولة نحو التنمية الصناعية ورفع معدلات النمو الصناعي وزيادة معدلات الانتاج وتخفيض حجم الواردات وخلق فرص عمل كثيفة قامت الدولة بترفيق وإعادة تأهيل 20 منطقة صناعية بمحافظات الصعيد، وذلك من خلال تزويدها بشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطاقة والاتصالات.
الأمر الذى ربما يسهم في احتواء عديد من الظواهر الاجتماعية السلبية في الصعيد والتي تعتبر مدخلات فعالة للفقر والجريمة على وجه الخصوص كالبطالة والهجرة وغياب الوعي.. خاصة وأن رؤية الدولة التنموية تعتمد بشكل أساسي على ما تسمى التنمية الاحتوائية التى تسهم في تجفيف منابع الظواهر الاجتماعية السلبية التى تهدد الاستقرار وتقوض جهود التنمية..
وتعتمد على آليات جديدة قادرة على الاحتواء وقيادة التنمية نحو أفاق تنموية واسعة، تنقل المجتمعات الريفية ولا سيما في الصعيد من أوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية هشة إلى أوضاع أفضل.
فعلى مستوى قطاع النقل والمواصلات تم إنشاء وتطوير 6600 كم من الطرق، وإنفاق 32 مليار جنيه في تطوير منظومة السكك الحديدية، وتنفيذ 365 كوبرى ونفق بتكلفة استثمارية تجاوزت 50 مليار جنيه. وعلى مستوى قطاع الإسكان تم إنشاء واستحداث 14 مدينة جديدة، منهم 5 مدن من الجيل الرابع، و188 ألف وحدة سكنية، لتتماشى قرى الصعيد مع مشروطية الدخول إلى الجمهورية الجديدة التى من ابرز ملامحها المدن الذكية، وتكون كرامة الإنسان فيها خط أحمر.
تنمية الصعيد
ففي اطار توجه الدولة نحو الرقمنة والتحول الرقمي والمدن المستدامة؛ كان لزامًا على الدولة أن تضع في حسبانها الصعيد بقراه ونجوعه العتيقة، التى ابتعدت كثيرًا عن الحداثة والحضرية.. ومن ثم فقد قامت الدولة بتنفيذ 97 مشروعًا لتطوير مكاتب البريد و40 مشروعًا لتطوير ورقمنة الشهر العقاري و89 مشروعًا لتطوير ورقمنة المحاكم والنيابات.
ففيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي فقد تم تنفيذ 121 مشروعا لمياه الشرب بتكلفة بلغت 9.64 مليارات جنيه، و224 مشروعًا لخدمة الصرف الصحى بتكلفة بلغت 15.6 مليار جنيه تقريبًا. وفي قطاع الكهرباء والطاقة تم إضافة حوالى 8.8 ألف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، ونقل وتوزيع الكهرباء بتكلفة بلغت 33 مليار جنيه، وتنفيذ مشروع محطة بنبان فى أسوان، والتى تعد من أكبر محطات توليد الطاقة الجديدة والمتجددة على مستوى العالم.
وفي هذا السياق فقد استحوذت محافظات الصعيد كافة على 96.8% من جملة الاعتمادات المنفذة بمبادرة حياة كريمة. حيث وصلت نسبة تنفيذ مشروعات الصرف الصحي 97.3%، أما عن القطاع الطبي فقد وصلت نسبة تنفيذ الوحدات الصحية 90.2%، وفي المجال التعليمي وصلت نسبة إنشاء المدارس 48.8%، وفي مجال الطرق وصلت نسبة تنفيذ الرصف ورفع كفاءة الطرق 85.2%..
وفي مجال الري تم تنفيذ 247 مشروعًا، إلى جانب تأهيل ترع بأطوال 2470 كيلومترًا. وبتكلفة وصلت 8.60 مليارات جنيه. فضلًا عن إنشاء وإحلال وتجديد 4179 منشأة صناعية على المجاري المائية، وتطوير الري في الأراضي القديمة في زمام 60 ألف فدان، وإنشاء وإحلال شبكات الصرف المغطى وتوسعة المصارف المكشوفة، وأيضًا تنفيذ مشروع إنشاء قناطر ديروط الجديدة لخدمة 1,60 مليون فدان.
لقد نجحت الدولة باقتدار في استعادة الصعيد المفقود.. مؤكدة أن التنمية لن تصبح عادلة إلا إذا كان الصعيد جزءًا كبيرًا منها.. وأن الصعيد الذى كان أيقونة الحضارة والتنوير على مدار التاريخ، قادر أن يحمل مصر بقوة إلى أوسع أفاق التنمية.. وأن قوة الصعيد في ثرواته البشرية التى إن لم تستغل في البناء خسر الوطن معولًا مهما صادقا قويًا في التنمية..