هل نحن نحب الله!
هل نحن نحب الله؟! سؤال ربما يبدو في ظاهره غريب.. لكنني أعتقد أن الإجابة دائمًا حاضرة.. ولا تختلف الإجابة باختلاف سؤال: هل نحن نحب الوطن؟ فليس بينا مختلف على الإجابة، حتى وإن كانت سلوكياتنا اليومية قد تعبر ولو قليلا ًعن غير ذلك.. فما الحكاية إذن؟!
أعتقد أنك لا تختلف معي في أن الناس يحبون الله بالفطرة السليمة دون أن يروه أو يلمسوه لكنهم يشعرون بوجوده في كل شيء حولهم.. فالله لا تدركه الحواس فهو معلومٌ لديها في كل شيء.. وإن كانت المعرفة بوجوده واليقين لا يمنعهم من ارتكاب الخطيئة.. فأملهم في رحمته ليس له حدود.. فغالبًا ما يكون العشم الأكثر من اللازم سببًا في ارتكاب كثير من الموبقات!
وأعتقد أيضًا أنك لا تختلف معي إذا قلت لك بأن أكثر الناس انتفاعًا بصفات الله هم العصاة.. الذين إذا اخطأوا وتابوا؛ غفر لهم، وإن طلبوا الرحمة استجاب.. فهو الله وكفى.
كذلك كل الناس تحب أوطانها بالفطرة.. وتهون أعمارهم من أجل الدفاع عنه.. ويشعرون بالغيرة إذا أساء غريب لأوطانهم.. لا لشئ سوى لأن حب الأوطان دليل قاطع على الفطرة السليمة.. وكيف لا يحبون الأماكن التى شهدت أول حضن وأول لحظات الاحتواء الإنساني.. الأرض التي جروا عليها. والحضن الذي ناموا على دفئه.. والقُبلة التي رسمت لهم مشوار الحياة.. أنها قبلة الحياة التي لا تنسى!
حب الله وحب الوطن
فإذا كان الناس يحبون الله ولا يكرهون الوطن.. فأين تقع المشكلة؟ بمعنى لماذا يعصون الله إذا كان يحبونه ويهدمون الوطن الذي يعيشون فيه؟! الإجابة هنا حاضرة.. الناس تكره القدر لأنها لا تدرك رحمة الله فيه.. وذلك لأن القدر سر من أسرار الله فلا يُطلع أحدًا من خلقه عليه..
ولكنك إذا كنت واثق في عدل الله فإن لا تجزع من القدر.. سوف تنساق في تياره حرًا حتى لا تنساق مرغمًا.. كما قال الشعر القديم: اصبر ففي الصبر خيرٌ لو علمت به ؛ لطبتَ نفسًا ولم تجزع من الألم.. واعلم بأنك لو لم تصطبر كرمًا؛ صبرتَ رغمًا على ما خُطَ بالقلم!
جميل أن تشاهد الحياة عن بعد.. وتقترب من أحداثها بحذر.. ورجاءك في الله لا ينقطع! ومن الذكاء أن تتعلم متي تكون حاضرًا رُغم المغِيب.. وغائبًا رغم الحضور! فمسارات الحياة عديدة.. لكنك لا تملك الحرية المطلقة في اختيار المسار الذي تمشي فيه!
والحل هنا ليس بعيد.. فكما أدركت محبة الله دون أن تلمسه عليك أن تسمع صوت القلب دون أذنيك.. فرغم أن القلب قد وضعه الله في الشمال؛ إلا أنه عادة ما يكون على حق! فهناك قلوب كالشمس رغم أنها معتمة، لكنها تملأ الكون نورًا وحياة.. وقلوب كالبحر جميلة في مظهرها، مرعبة في داخلها، مليئة بالأسرار والحياة والموت..
وقلوب كالأرض مشتعلة لا تعرف السكون، لا تمل من دبيب البشر، ولا تكف عن العطاء، تتجدد من تلقاء نفسها، دائما حية حيية، لا تحبط ولا تعرف شيئًا سوى النماء.. وقلوب تشبه الوطن دافئة، حمالة للوجع، القرب منها حياة، والبعد عنها غربة قاتلة!
وكذلك الناس لا يكرهون أوطانهم. فالناس يكرهون الظروف التى عادة ما تكون أكبر من قدرتهم على التحمل. تكره مساحة المجهول المرعبة التي في حياتهم.. تكره الخوف من الغد المعتم والإحساس بضياع الأمان.. تكره مرارة العوز ووجع الاحتياج.. تكره القهر وكسرة النفس.. ولآنهم يحبون الله فإنهم يحبون الوطن الذي هو امتداد محبته.. فالوطن قطعة غالية من محبة الله وليس حفنة من تراب عفن!
ولا شك عندي في أن مخلوقات الله تعشق بعضها.. حتى وأن اضطرت أن تأكل يومًا بعضها.. فاعتداء الكائنات على بعضها يعد أحد دلالات التوازن الكوني، المبنى على قانون رباني شديد الدقة.. فكثير من نسمع عن الضحية التى تعشق جلادها.. الناس يا عزيزي تحب الناس.. ويموت الإنسان قهرًا إذا انفض عنه من يحب.. الناس تحبُ الله.. لأن الله يحب الناس ولا يختار لعبيده سوى الخير.. فالموت يا عزيزي قد يبدو لطيفًا، إذا تجرعت قبله كأسًا من مرارة الفقد!
وحب الوطن كالمرض، لكنه مرضٌ جميل، لا تنفع معه المسكنات. وجرح الوطن عميق، يعوي في جسد صاحبه ليل نهار.. وربما يكون أحيانًا الحب الذى يقتل صاحبه! إنه الحب الحقيقي غير المزيف أو المصطنع.. فالحب المغشوش مكشوف!
فإذا كانت الطبيعة يدها ثقيلة؛ فإن حب الوطن فطري، والفطرةُ وتدٌ مزروعٌ في قلب كل إنسان. إذا نزعته منه يموت صاحبه في الحال.. وكما قال أبو تمام: قَلِّب فؤادك حيث شئت من الهوى.. ما الحبُ إلا للحبِ الأولِ.. كم منزلٍ في الكونِ يألفه الفتى.. وحنينهُ أبدًا لأول منزلِ!