الفن وسنينه
نور الشريف حدثني عن الشوك والشوق والفجر؟!
الحمد لله على ردود الأفعال الإيجابية والتعليقات المحفزة، التي غمرتموني بها، فور نشر أول مقالاتي التي تناولت فيها بعضًا من ذكريات وأسرار صديقي الحبيب الفنان العملاق الراحل نور الشريف.
الذي مازال رغم مرور ما يقرب من ثماني سنوات على رحيله، يعطي دروسًا رائعةً ومهمةً في الفن والحياة لكل الأجيال الفنية اللاحقة عليه، من خلال هذه الذكريات والحكايات الفنية الإنسانية الملهمة والمعلمة، والتي شرفت بأن خصني بها وحملني مسؤلية نشرها في الوقت الذي أراه مناسبًا ومطلوبًا، لتنير الطريق للأجيال الحالية..
خاصةً في ظل الأوضاع الفنية المتردية والمعكوسة، التي يعاني منها الوسط الفني في السنوات الأخيرة، ولهذا سأواصل في مقال اليوم سرد بعض ذكريات وأسرار الأستاذ نور الشريف الفنية كما جاءت على لسانه والتي تكشف عن امتلاكه موهبة جديدة تضاف إلى مواهبه المتعددة في التمثيل والإخراج والإنتاج والتصوير الفوتوغرافي وهي موهبة الكتابة.
نحن لا نزرع الشوك
يروي لي الأستاذ نور الشريف حكاياته المثيرة مع ثلاثة أفلام شهيرة وناجحة يبدأها بفيلم 'نحن لا نزرع الشوك' فيقول: بعد أول فيلم لي في السينما وهو قصر الشوق، للعظيم نجيب محفوظ، والمخرج الكبير حسن الإمام وبطولة نخبة من الفنانين منهم يحيى شاهين ونادية لطفي وعبد المنعم إبراهيم، والذي حصلت من خلاله على جائزة تشجيعية من وزارة الثقافة عام 1967، توقعت أن تنهال عليا العروض السينمائية، ولكن مرت تسعة أشهرٍ دون أن يطلبني أحد للعمل في أي فيلمٍ!
إلى أن اختارني المخرج أحمد بدرخان لتمثيل دور صغير في فيلم نادية مع الرائعة سعاد حسني والفارس أحمد مظهر، ثم أسند لي المنتج العظيم رمسيس نجيب والمخرج الجبار كمال الشيخ دورًا صغيرًا كذلك في فيلم بئر الحرمان أمام سعاد حسني أيضًا..
وخلال تصوير هذا الفيلم شعرت بحماس الأستاذ رمسيس لي كوجه جديد، لدرجة أنني فوجئت بالإعلان عن انتاجه المقبل وهو فيلم نحن لا نزرع الشوك، ل أديب الرومانسية يوسف السباعي وإخراج المتميز حسين كمال ومكتوب فيه اسمي مع المطربة الرائعة والممثلة الساحرة شادية.. فسعدت جدًا بذلك.
ولكن للأسف الشديد لم تدم هذه السعادة طويلًا! حيث حدث خلاف مفاجئ بيني وبين رمسيس نجيب أثناء تصوير فيلم بئر الحرمان، كانت نتيجته استبعادي من فيلم شادية وإسناد الدور إلى رفيق العمر المبدع محمود ياسين الذي انطلق بعده إلى عالم البطولات في السينما.
نار الشوق
أما الحكاية الثانية فهي عن فيلم 'نار الشوق، وعنها يذكر الفنان نور الشريف: بعد استبعاد رمسيس نجيب لي من فيلم نحن لا نزرع الشوك بأشهر قليلة وفي نفس العام 1970، قام المخرج محمد سالم باختياري لأشارك النجمين صباح ورشدي أباظة بطولة فيلم نار الشوق ، والذي ستظهر فيه هويدا ابنة صباح لأول مرة وكان عمرها وقتها لايتعدى السابعة عشرة أي مازالت قاصرًا، وكان الفيلم من إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما، التي أنشأت في بداية الستينيات من القرن الماضي وقت أن كانت الدولة تؤمن بدور وأهمية السينما في المجتمع!
أنتجت المؤسسة المصرية العامة للسينما مجموعة متميزة من الأفلام، وسافرنا إلى بيروت لتصوير بعض أحداث الفيلم لمدة أسبوعين، وعندما قررنا العودة إلى القاهرة لاستكمال باقي الفيلم، فوجئنا جميعًا بأنه من الخطر والمغامرة دخول هويدا إلى مصر خوفًا من أسرة والدها عازف الكمان الشهير الراحل أنور منسي، التي تطالب بحضانتها، ولم يكن هناك مناص من توقف تصوير الفيلم للبحث عن حل..
وتم في النهاية اتخاذ القرار باستكمال الفيلم بالكامل في بيروت، خاصةً المشاهد التي بها هويدا، وهو ما اعترضت عليه في حينه، لأنني اعتبرت ذلك تبديدًا للمال العام، فكان جزائي الاستبعاد مرة أخرى وحل الأخ الحبيب حسين فهمي مكاني وصور الفيلم وكان هذا الفيلم سببًا في أن تختاره بعد ذلك السندريلا سعاد حسني ليشاركها بطولة الفيلم الكبير خللي بالك من زوزو.
فجر الإسلام
أخيرًا فإن ثالث الحكايات التي رواها لي القدير نور الشريف كانت عن فيلم فجر الإسلام حيث قال: رشحني المخرج المتميز عاطف سالم للعب أحد الأدوار المهمة في الفيلم الديني التاريخي الكبير فجر الإسلام تأليف الأديب عبد الحميد جودة السحار، وبطولة سعاد حسني ومحمود مرسي وسميحة أيوب، وقامت مؤسسة السينما المنتجة للفيلم، تحت إشراف المخرج باختيار الحصان المناسب لي لأتدرب عليه لمدة شهرين كاملين قبل التصوير، حتى تحدث ألفة بيني وبين الحصان..
وبدأنا بالفعل التصوير لمدة شهر، فحدث أن تعرض المخرج عاطف سالم لحادث مروع تطلب منه أن يمكث في المستشفى لفترة طويلة، فقررت مؤسسة السينما أن يتولى المخرج العملاق صلاح أبو سيف إخراج الفيلم، وكانت المفاجأة المدوية أن قام أبوسيف باستبعادي وسعاد حسني من الفيلم دون ذكر أسباب؟!
وتم اختيار المذيعة نجوى إبراهيم بدلًا من سعاد حسني! ثم أخذوا يبحثون عن ممثل شاب ليحل محلي يجيد التمثيل باللغة العربية، وبعد فترة وكنت قد بدأت تصوير أحد أهم أفلامي في بداياتي “السراب” مع القديرة ماجدة، فوجئت بمؤلف الفيلم الأستاذ السحار الذي كان وقتها رئيسًا لمؤسسة السينما، يطلب مني العودة إلى الفيلم، فاعتذرت له قائلًا ومتسائلًا: كيف سأتعامل مع المخرج الذي رفضني في البداية بسبب لا أعرفه؟! وجاءوا بعد ذلك بالمذيع علي عبد الرحمن ليلعب الدور بدلًا مني!
ويضيف أستاذ نور الشريف، بأنه قد ذكر هذه الحكايات الثلاث لتكون دروسًا لأي وجه جديد يتعرض لما تعرض له، وأن هذه التجارب التي تحمل بعضًا من الأسى والحزن قد علمته أن الفيلم لا يصبح باسم الفنان إلا عندما يعرض بدور العرض.