قصة مذبحة القلعة وموقف المؤرخين من محمد علي والمماليك
في مثل هذا اليوم من عام 1811، دبر مصر محمد علي باشا مذبحة القلعة لبقايا المماليك، بعد أن استغل حفل تولي ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش الخارج إلى الحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبد الوهاب في نجد لتنفيذ خطته.
عن مذبحة القلعة وكواليس تدبيرها للماليك
بعد أن أصبح محمد علي باشا واليًا على مصر في 9 يوليو 1805م، علم أن هناك اتصالات سرية بين بعض أمراء المماليك وخورشيد باشا ضده، فجهز حملة في 18 يوليو 1805م من ثلاثة آلاف جندي لمنازلة علي باشا قائد قوة المماليك التي تؤيد خورشيد باشا.
في محاولة لإثبات قوتهم، خرج ألف من المماليك لمدينة القاهرة في محاولة للاستيلاء على الحكم، بزعامة محمد بك الألفي الذي بدا أنه كان مدعومًا من الإنجليز منذ أن ساندهم عندما أخرجوا الفرنسيين من مصر، ولكن كان محمد علي على علم بتحركاتهم، فنصب لهم فخًا، وأوقع بهم خسائر فادحة، مما اضطرهم للانسحاب.
استغل محمد علي الفرصة، وطاردهم حتى أجلاهم عن الجيزة، فتقهقروا إلى الصعيد الذي كان ما زال في أيديهم، كما استطاع الألفي السيطرة على أجزاء من الوجه البحري، وعرض الألفي على محمد علي الصلح على أن يحكم البحيرة والشرقية، ولما رفض محمد علي انطلق الألفي إلى دمنهور فحاصرها، وبدأ في إطلاق المدفعية على حاميتها، ولكن خسر الألفي في هذه المعركة.
وفي 17 مارس سنة 1807، حاولت حملة إنجليزية بقيادة الفريق أول فريزر دخول مصر عن طريق الإسكندرية، ولكنهم هُزِمُوا في رشيد، وفي 14 سبتمبر سنة 1807، وعُقِدَ صلح بعد مفاوضات بين الإنجليز ومحمد علي، نص على وقف القتال في غضون 10 أيام، وإطلاق الأسرى الإنجليز، يرى بعض المؤرخين أن محمد علي قد استغل هذا الصلح مع الإنجليز ليضمن أنهم لم يدعموا المماليك مرة أخرى، وبعد وفاة الألفي وعقد الصلح مع الإنجليز حان الوقت لمحمد علي أن يقضي على المماليك تمامًا.
وفي أغسطس 1810م زحف محمد علي بجيشه إلى الصعيد الذي كان بقبضة المماليك، فانتصر عليهم واستولى على الفيوم، وانسحب إبراهيم بك وعثمان حسن وسليم بك وزعماء المماليك الآخرين إلى أسوان، بينما طلب شاهين بك العفو من محمد على، فعفا عنه وسمح له بالإقامة في القاهرة، ومنحه دارًا بالقرب من الأزبكية في أكتوبر 1810، وسار على حذوه عدد آخر من أمراء المماليك، فطلبوا العفو وسكنوا في القاهرة.
موقع مذبحة القلعة
وقعت مذبحة المماليك في قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة والتي أمر ببنائها عام 1176م لتحصين القاهرة من هجمات الصليبيين. حيث استدعى وزيره بهاء الدين قراقوش وأمره أن يُنشئ له قلعة في الجبل، ومنذ ذلك الحين باتت القلعة مقرّ الحكم، حتى بناء قصر عابدين.
وقعت المذبحة فعليًا عند «باب العزب» أحد أبواب القلعة، وهو ممر صخريّ منحدر تكتنفه الصخور على الجانبين، حيث لا مخرج ولا مهرب. ويشبه الباب في تكوينه بابي الفتوح وزويلة، وهو مكون من برجين كبيرين مستطيلين لهما واجهة مستديرة أعلى كل منهما غرفة وبينهما توجد سقاطة استخدمت لإلقاء الزيوت المغلية على الأعداء الذين يحاولون اقتحام البوابة عنوة، وقد بنى هذا الباب الأمير رضوان كتخدا الجلفي قائد الجنود العزب في موضع باب قديم يرجع تاريخه إلى العصر المملوكي.
أحداث مذبحة القلعة
كان والي مصر محمد علي قد تلقى رسالة من الباب العالي يطالبه فيها بإرسال حملة عسكرية إلى الحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبد الوهاب في نجد، فعيّن ابنه أحمد طوسون باشا قائدًا للحملة، وأعد مهرجانًا ضخمًا، وحدد له يوم الجمعة الأول من مارس سنة 1811م.
ويذكر بعض المؤرخين أن محمد علي دعا وزيره محمد بك لاظ أوغلي الشهير بـ "لاظوغلي" للتشاور والتفكير في الأمر الذي أسفر عن أنه يستغل الفرصة ويدعو المماليك بحجة التشاور معهم في الحرب على الوهابيين، وكلّف لاظوغلي باشا بالتخطيط والإعداد لمذبحة القلعة.
دعا الوالي رجال الدولة وأعيانها وكبار الموظفين العسكريين والمدنيين وزعماء المماليك لشهود هذا الحفل، وقد لبى المماليك دعوته ولبسوا أفخر الملابس، ويقال أنه كان عدد الحضور حوالي عشرة آلاف شخص من كبار القوم ومختلف الطوائف.
وقبل ابتداء الحفل دخل البكوات المماليك على محمد علي فتلقاهم بالحفاوة، ودعاهم إلى تناول القهوة معه، وشكرهم على إجابتهم دعوته، وألمح إلى ما يناله ابنه من التكريم، وتجاذب معهم أطراف الحديث.
تحرك الموكب وفي مقدمته الفرسان ويتبعهم والي الشرطة والآغا محافظ القاهرة والمحتسب، ويليهم الجنود الأرناؤوط وسار ورائهم المماليك يتقدمهم سليمان بك البواب، ومن بعدهم بقية الجنود، ثم باقي المدعوين وأرباب المناصب.
وكان الموكب يسير بانحدار إلى باب العزب وهو أحد أبواب القلعة،ولمَّا اجتاز طليعة الموكب ووالي الشرطة والمحافظ باب العزب، ارتج الباب الكبير وأقفل من الخارج في وجه المماليك وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص.
نتائج مذبحة القلعة
حاول المماليك الفرار، لكن قُتِل أغلبهم بالرصاص، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ومن نجا منهم من الرصاص، ذُبِحَ على أيدي الجنود. ويقال أن الحي المقابل لباب العزب امتلأ بالدم واستغرق فترة طويلة للتخلص من أثاره، فسمَّاه المصريون حي الدرب الأحمر.
راح ضحية تلك المذبحة المعروفة بمذبحة القلعة كل من حضر من المماليك، وعددهم 470 مملوكًا حسب أغلب المصادر، كما استمر قتل المماليك بعدها بثلاثة أيام خارج القلعة في أنحاء مختلفة من القاهرة، وقدَّر البعض أن عدد القتلى يصل إلى 1000 مملوك، في حين يقول عبد الرحمن الرافعي أن عدد الضحايا وصل إلى 1200 قتيل، وعُلِقَت رؤوس كبار المماليك على باب مسجد الحسنين بالقاهرة.
ولم ينج من مذبحة القلعة سوى مملوك واحد يدعى «أمين بك»، الذي كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز من فوق سور القلعة، ثم هرب إلى الشام.
رأي رواة التاريخ في مذبحة القلعة
اختلفت الآراء حول مذبحة القلعة، فالبعض رأى أنها نقطة سيئة في تاريخ مصر ووصمة عار في تاريخ محمد علي باشا السياسي، وقد تعرض محمد علي للعديد من الانتقادات من المؤرخين الغربيين بسبب غدره بالمماليك في تلك المذبحة، خاصة أنه لم يحاربهم وجها لوجه في ميادين القتال.
بينما وجدت الكثير من التبرير من بعض المؤرخين، واعتبروها ضرورية للدفاع عن النفس، ويقول المسيو مانجان أحد أصدقاء محمد علي: «إنني أبعد ما أكون عن تبرير الفتك بالمماليك، على أنني أعده من بعض النواحي خيرًا لمصر، فإن بقاءهم يفضي إلى حرب هي أضر على البلاد من الإيقاع بهم.
نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدا مستمرا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوريأبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.