مفاتيح السعادة، درس الحُبابة (5)
عاد سيدنا النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى الزوجة العاقلة الكاملة السيدة خديجة، رضي الله عنها وأرضاها، وقد التقاه أمين الوحي سيدنا جبريل، عليه السلام. موقف عصيب، لا يتحمله إلا خاتم الرسل.. المرة الأولى كانت شديدة، كان اللقاء في منتهى القوة، والشدة.. بمثابة مرحلة انتقالية، بدأت مرحلة البعثة، ومواجهة الصعوبات والعقبات، وتعنت الجاهلين.
نزل جبريل على النبي بالوحي، وكانت السيدة خديجة تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًا لا منتهى له. عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة كاملة قبل البعثة لم تر منه إلا كل خلق حميد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ير منها إلا كل خير وحب، حتى أسماها الحُبابة.
لا تذكر كتب السيرة مشاحنة واحدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السيدة خديجة، رضي الله عنها وأرضاها، ثم عشر سنين بعد البعثة، ليس فيها لحظات غضب أو شقاق أبدًا، حياة زوجية مثالية إلى أبعد درجة. حكى الرسول صلى الله عليه وسلم لـ خديجة ما حصل معه في الغار، وكان يظهر منه ما لم تره عليه من قبل، وقال لها الكلمات التي نزلت عليه، ثم قال: (يا خديجة لقد خشيت على نفسي).
5 مفاتيح للسعادة
ما حدث من السيدة خديجة، لخص 5 صفات ودروس من المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، اتسم بها، وبغيرها من المحامد، قبل البعثة، وأضيف إليها الكثير بعد البعثة. هذه المحامد والمكارم لو حاولنا تقليده، صلى الله عليه وآله وسلم، فيها، لما كان على الأرض، حولنا، شقي، ولا تعيس، فضلًا عن السعادة التي سنرفل فيها، ونستمتع بثمارها.
قالت السيدة خديجة للزوج الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، في يقين: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
لخصت السيدة العظيمة مفاتيح السعادة في 5 نقاط؛ صلة الرحم.. تَحمِل الكلَّ: أي تتحمَّل أثقال الفقراء والضعفاء والأيتام بالإنفاق عليهم وإعانتهم بالمال.. وتكسب المعدوم: أي تتبرَّع بالمال لمن لا يجده.. وتَقري الضيف: أي تُكرم ضيوفك.. وتُعين على نوائب الحق: أي تُعين الناس فيما يصيبهم من خير أو شر.
ركزت السيدة خديجة على مبدأ المعاملة.. معاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البشر، لم تشر إلى تعبده واعتكافه وتفكره، بل إلى علاقاته مع الناس، فهي المحك الحقيقي لتقييم الإنسان، وتكاد تكون هذه المعاملات الطيبة هي السبب في اقتناع الناس بمصداقية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يجهله المتنطعون، والمتشددون.
هذا هو المقياس الذي ينبغي للبشر كلهم أن يقيسوا عليه حياتهم، لابد من أخذ القدوة والأسوة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتكون حياتنا مليئة بالسعادة والراحة النفسية.