حرب أوكرانيا.. والحكومة الخفية في مصر
غدا هو الرابع والعشرون من فبراير، فتمر سنة كاملة على الغزو الروسي لأوكرانيا، بقرار أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين على العالم، في صباح مثل ذلك اليوم، وغدا يؤرخ لانتقال حياة المصريين من فرخة بأربعين جنيها إلى فرخة بمائة وعشرين جنيها، ومن بيضة بجنيه ونصف تقريبا إلى بيضة بخمسة جنيها، ومن كيلو لحم ب 150 جنيها إلى 250 جنيها و900 جرام كبده بـ325 جنيها.
قامت الحرب بين الروس والغرب وسقطت قذائفها فوق رءوس المصريين ولاتزال تنهمر، فانكشفت العورة الاقتصادية للدولة، وانفضحت عائلات انحسر عنها الستر، وشاع الاحتياج، وسقط حياء العوز، لأن الكل الآن مفلس تقريبا إلا حفنة اللصوص، من تجار في الموارد، وفي مناصب يستبيحونها لمصالحهم.
سنة تمر على حرب عالمية غير معلنة، بين روسيا وأمريكا، ومرشحة بعد خطابي بوتن، وبايدن أول أمس على التوالي للاستمرار، والاستنزاف، فقد صار العناد ذخيرة هذه الحرب المصغرة. بوتن عقد العزم علي إحراز النصر ولو إضطر إلى استخدام النووى، لأنه كما قال أمام نخبة من قيادات بلاده السياسية والعسكرية إنه لا يمكن، بل مستحيل إلحاق الهزيمة بروسيا.
وبايدن مبتهج بنجاح خطة استدراج روسيا واستنزاف مواردها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية، دون أن يسقط له جندي أمريكي واحد، فهو وحلف الناتو يحاربون الروس وسيفعلون حتى آخر صندوق موتي لآخر جندي أوكراني، وآخر جنيه في جيوب المصريين!
الحكومة والاحتكار وأزمة الاعلاف
دعهم في حربهم يعمهون، لكن نحن هنا في حرب معايش. بكل معنى الكلمة، لم تظهر فيها الحكومة مكبلة شبه مفلسة مثل شعبها فحسب، بل ظهرت أمام الناس كأنها لم تكن تتحسب، وكأنها لم تكن تعرف، وكأن حفنة لصوص احتكاريين هم الحكومة الخفية.
لا يعقل قط أن الدولة لا تعلم من هم هؤلاء الاحتكاريين، وعدم علمهم الظاهر جعل الناس يتساءلون عن مصلحة الحكومة في التزام الصمت، وعدم فضحهم، بل الأخطر من ذلك أن دعاوى الحكومة بأن وباء الغلاء الحالى سببه الحرب الروسية الأوكرانية.
نعم هو سبب بالفعل، لكنه ليس السبب الأكبر، وإن شئتم الحق فهو سبب كاشف عن سياسات أغفلت الأولويات، في قطاعات الزراعة والصناعة، وتنويع مصادر استيراد الغذاء.
إحصاء أخير مخجل أعلنته الحكومة أن استهلاك البروتين تراجع بنسبة ٩٠٪ في بيوت المصريين.. ولأول مرة منذ خمسين عاما عادت إلى التداول كلمة الزفر، فالمصريون إذا أكلوا زمان في المواسم، وز أو بط أو دجاج أو لحوم، عادة على العشاء، كانوا يقولون الليلة سنأكل زفر.. بفرحة المشتاق!
يا للعار! لسنا في أزمة موارد فحسب، ولا أزمة إدارة فحسب، كشفتها حرب عالمية مصغرة على بعد آلاف الأميال، بل نحن في أزمة عجز كامل عن تفكيك هيكل الاحتكار في الدولة وضربه، لأن الاحتكاريين يعلنون الحرب علي الشعب وعلى الحكومة ويجعلون الأخيرة محل السخط العام.
يتساءل الناس ببساطة: أنت يا حكومة تركت الأعلاف بالموانئ لعجزك عن توفير الدولار، وكلما أتحته وأفرجت عن أعلاف، نهبها الاحتكاريون، ورفعوا سعر الفراخ بجنون، وبعد أن نشف ريق الناس وجيوب الناس، تعلنين عن استيراد دجاج برازيلي نزلت الأسواق في غمضة عين وجيب، بستين جنيها للكيلو.. كنت استوردت أعلافا كافية، ما دمت قادرة.. وكفيتنا شر اللصوص أساسا.
هل استوعبت الحكومة الدرس؟ أكيد لأن الحرب في أوروبا ستمتد عاما وعامين إن لم تتسع، والضرب على رؤوس الناس في مصر سيتواصل ما لم تتدخل الدولة بصرامة ضد مصاصي دماء الشعب، ثم بحزمة إنقاذ مالي عاجلة تحمى حياة الأسرة المصرية، وتصون سترها الهش.. الوضع مشين.