مصر والتقدم التكنولوجي ومؤشر الابتكار العالمي
يشهد العالم والبشرية حاليا أخطارا عديدة سواء بفعل الانسان أو الطبيعة، تنوعت بين تغيرات مناخية وأوبئة وحروب ممتدة وزلازل. فهل كل ذلك بسبب الاستخدام السلبي للتقدم العلمي والتكنولوجي؟!
فخلال العقد الماضي فقط شهد العالم الكثير من الأوبئة -أحدثها وباء كورونا المستجد- على مدار سنوات حصدت آلاف الأرواح حول العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وما زالت الدول تجتهد في استخدام كافة السبل للسيطرة على هذه الأوبئة والحد من مضاعفاتها. كما تشهد العديد من الدول خاصة النامية والفقيرة آثار سلبية للتغيرات المناخية، بل قد تكون كوارث مناخية ذات آثار طويلة الأمد لعقود أو سنوات أو حتى أجيال، على الرغم من الاعتراف بأنها لم تفعل إلا القليل للتسبب في هذه الآثار، إلا أنها تعاني وتتصارع بسببها على جميع الأبعاد حتى الآن، رغم كل الدعوات للتعويض عن الخسائر والأضرار التي تم اطلاقها في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ عام 2022.
فضلا عما خلفته هذه الأخطار من أزمات اقتصادية وغذائية وصحية واجتماعية أضرت بالإنسان والمجتمع على حد سواء، وتضاعفت المخاطر والمعاناة في مناطق الصراعات والنزاعات والحروب الموجودة بالفعل، حتى أصبح يحتاج واحد من كل خمس أطفال تقريبا الى المساعدات الإنسانية الفورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقا لمنظمة اليونسيف.
ومع التقدم الكبير في المجالات العلمية والتكنولوجية والمرتكز بصورة أساسية في العالم الغربي أو نصف الكرة الشمالي، حيث إن ما يشهده النصف الآخر ما هو إلا مخرجات عملية البحث العلمي والتقدم أو المنتج النهائي لها أو الآثار السلبية لها.
لأن إنفاق العالم العربي على البحث والتطوير من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي وفقا للبنك الدولي 2.7% وصافي ما يخصص منها للبحث العلمي والتطوير أقل من ذلك، بينما انفاق إسرائيل 5.44 %. وبالطبع تتصدر الولايات المتحدة الامريكية والصين واليابان والاتحاد الأوروبي هذه القائمة.
وينعكس ذلك على مؤشر الابتكار العالمي وهو ما عرضه تقرير مؤشر الابتكار العالمي 2022 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أحد وكالات الأمم المتحدة، وتتبع التقرير أحدث الاتجاهات العالمية في مجال الابتكار في ظل تباطؤ الإنتاجية والركود نتيجة الأزمات العالمية الحالية واستمرار جائحة كورونا..
مؤشر الابتكار العالمي
وتضمن مؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index الذي يسعى إلى كشف الاقتصادات الأكثر ابتكار في العالم من خلال ترتيب الأداء الابتكاري لنحو 132 اقتصاد وكشف مواطن القوة والضعف. ويطرح التساؤل حول إذا ما سيستمر الركود وانخفاض نمو الإنتاجية ام نكون على وشك دخول عصر جديد ستؤدي فيه الطفرات الابتكارية إلى نمو اقتصادي؟
ويتناول التقرير أربعة موضوعات هي الاستثمار في العلوم والإنفاق على البحث والتطوير ورأس المال الاستثماري والانتاجية ورفاهية المجتمع وفقا لـ81 مؤشرا فرعيا.
مصر جاءت في المركز 89 بتقدم عما كانت عليه عام 2013 حيث كانت رقم 108، بينما تأتي إسرائيل في المركز 16 وأشار التقرير إلى العلاقة بين الأداء الابتكاري ومستوى الدخل، وقسم الدول في مجموعات وفقا لذلك إلى ثلاث مجموعات.
مجموعة دول يتجاوز الأداء الابتكاري مستوى التنمية، ومجموعة دول يتساوى الأداء الابتكاري مع مستوى التنمية، ومجموعة لباقي الدول، وداخل هذه المجموعات تقسم الدول أيضا بحسب الدخل إلى (دول ذات دخل عالي – دول فوق الدخل المتوسط – دول أقل من المتوسط- دول ذات دخل منخفض).
ومن المؤشرات الرئيسية في التقرير أن سويسرا تحتل المرتبة الأولي للعام الثاني عشر على التوالي تليها الولايات المتحدة الأمريكية والسويد وبريطانيا، وبتقسيم التقرير للدول الأكثر ابتكار وفقا للمناطق الجغرافية نجد أنه في إقليم الجنوب الافريقي فيه دولة جنوب أفريقيا وبتسوانا وكينيا، بينما في إقليم شمال أفريقيا وغرب آسيا ففيه إسرائيل والإمارات وتركيا.
ورغم الملاحظات على هذا التقرير أو غيره واعتماده على مؤشرات عديدة وقد تتداخل وتؤثر على تقييم الدولة، إلا أنه ينبغي الاهتمام والعمل على التحسين والتطوير، وأن تقوم الوزارات المعنية بالمؤشرات بتقديم ما يخص تطورها في مجالها. ويسري ذلك على كل التصنيفات والمؤشرات الدولية الهامة التي تعكس صورة الدولة وتعد بمثابة دعاية قوية لجذب الاستثمارات الأجنبية لها.
مشكلات أمام البحث العلمي
وبشكل عام، ينبغي التأكيد على أن هناك عوائق ومشكلات أمام البحث العلمي تختلف من منطقة إلى أخرى على حسب الأولويات الاستراتيجية لهذه المنطقة، فعلى سبيل المثال في العالم العربي هناك عدد من المشكلات التي تؤثر بشكل أو بآخر على مقتضيات البحث العلمي، مشكلات الدفاع والمياه والزراعة والنقل.
وهذه المجالات هي الأخطر حيث أن الاعتماد العربي على التدخل الأجنبي في هذه المجالات هو اعتماد كلي في الواقع، مما يزيد من حدة الأزمة ويفرض ضرورة البحث لها عن حل، فضلا عن الانفجار السكاني الذي تعاني منه المنطقة، لذلك نجد في هذه المجالات أن الاهتمام العربي بالبحوث والتطوير إما غير كاف أو منعدم.
وكذلك ينبغي التأكيد على أن هناك علاقة بين التنمية الاقتصادية من ناحية وبين التقدم العلمي والبحث العلمي، حيث توفر التنمية الاقتصادية فائضا يزيد من مخصصات البحث العلمي، لذلك تتجه مصر إلى مزيد من الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والابتكار وخصوصا في المجالات الجديدة كالطاقة المتجددة والمياه والعلوم الطبية والعلاجية، تطبيقا لما نصت عليه رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة لتطوير التعليم والبحث العلمي وتحقيق التقدم التكنولوجي وهي خطة تتسق مع الواقع العملي.
كما تتعامل مصر في الجمهورية الجديدة بثلاث أركان أساسية التحول الرقمي للدولة في كل المجالات، وتحديث الجهاز الإداري وطريقة الأداء الحكومي، وثورة تعليمية تنتج التفكير السليم والابتكار وبنية أساسية واسعة للبحث العلمي والتكنولوجي تتضمن الطفرة في إنشاء الجامعات والمدارس المتخصصة لتعليم أجيال جديدة مجالها الأساسي هو البحث العلمي وتخريج أجيال قادرة على الإبداع والابتكار، بل يمكن اقتراح وزارة متخصصة في العلوم والابتكار والتكنولوجيا.