رئيس التحرير
عصام كامل

الكتابة والحِبر المسموم!

على مدار سنوات طويلة وقبل أن أصبح واحدًا من أصحاب صفحات التواصل الاجتماعي لم أتوقف يوما عن الكتابة وبالطبع عن القراءة.. ولم أتوقف أيضًا عن متابعة أقلام كبار الكتاب والمبدعين وعلى اختلاف مشاربها.. كتبت وقرأت في مختلف فروع المعرفة التاريخ والاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع وفي الأدب والشعر والنقد والإعلام وفي الشئون الداخلية والخارجية حتى صارت الكتابة بالنسبة لي وكغيري من الكتاب بمثابة داء لم أتمكن من الشفاء منه..


حاولت كثيرًا التوقف عن الكتابة أو الحد منها، والوقوف على حافة الطريق.. أشاهد ما يجرى دون رد فعل؛ لكنني اعترف بأنني فشلت.. فدافع الكتابة دائمًا أقوى من إرادة أي كاتب عن التوقف، فالكتابة قدر الكاتب لا يمكنه الفرار منه!


والكاتب فى النهاية محصلة كتاباته وآراءه.. فالكاتب قبل أن يكون مسئولا أمام الناس فإنه مسئول أمام الله وكتاباته هي قدره الأول! فهى ليست مجرد حبر على الورق ولكنها قد تتحول إلى قنابل وطلقات نارية نافذة.. قد تفتح أمام القراء أبواب الأمل وقد تغلقها.. ترسم الطريق للراغبين وقد تكون أداة مهمة للتنوير وقد تكون أداة أخرى قوية للتغيب والتزييف.. قد يصبح حبر الكتابة نهرًا يتدفق بالنور والمعرفة والحق وقد يكون حبرها مسموما يقلب الحقائق ويلفق القضايا ويشعل فتائل الصراع وعدم الاستقرار!

الانحياز للوطن 


ورغم أن الكتابات أحيانًا ما تكون قدر صاحبها السيئ، إلا أن الكاتب الحقيقي في تصوري هو من يجعل من كتاباته طريقًا يسترشد به الذين ضلوا سبل الإنسانية والوطنية الحقة.. فالكاتب الحقيقي هو من كان وطنه هو  قبلته الأولى.. واستقراره هو شأنه الأول.. وكأن بلده فى تصوره ليست بلدا مترامي الأطراف والحدود، وإنما هو بيت كبير يعرف حوائطه جيدًا، ويحفظ حدوده بدقة، وغرفه لا تزال محفورة في وجدانه.. يخاف عليه من همزات الشياطين وأفاعيل الأباليس والبراكين!


والكاتب المسئول هو الذي ينحاز دائما نحو وطنه ويملك شعورًا نحو وطنه كشعور طفل لم يصل بعد إلى مرحلة الفطام! فالوطن هو أعمق مقال يكتبه كاتب وأعظم اختراع وأجمل لوحة فنية يمكن أن يرسمها فنان! مصر التى تحمل في بطن أرضها الطيبة رفات الآباء والأجداد، وعلى ظهرها يعيش الأبناء والأحفاد.. السلام والاستقرار والأمن هم أعمدة التنمية والنهضة.. وهى المحاور العامة التي يجب أن تدور في سياقاتها أقلام الكتاب والمبدعين..


فالكاتب الحقيقي لم يكن يومًا من عشاق التريند وركوب موجات الشهرة التى كانت ولا تزال مصدرًا مهما لجلب الثروة.. ولكن كيف يقتات الكتاب والمثقفون على حساب استقرار الوطن وراحة بال أبنائه.. فالثروة والشهرة زائلة ومصر الغالية حتمًا باقية.


والكاتب الحقيقي عادة ما يكتب عن قضايا حقيقية ولا يسهم أبدًا في اختلاق أزمة لشغل الرأى العام، ووضع مسمار جديد فى جسد الاستقرار والسلم الاجتماعي فالوطن يجب أن يكون دائمًا في المقدمة.. والكتابة ربما تكون موهبة وكثيرا من المواهب ما قد تكون مهلكة ووسيلة فعالة للفساد والإفساد..

هكذا أقرأ الكتابة والتي هي في تصوري ومضات ساخنة تنير المناطق المعتمة في العقل والوجدان.. فالكلمة مسئولية إنسانية ووطنية راقية.. من استهان بها غرق ومن انتبه لحد سيفها نجا.. فالكلمة سلاح ذو حدين لكن حده القاتل أقرب!

 

 
والكتاب والمثقفون الحقيقيون في تصوري يرون أن المظاهرات والثورات مسامير نافذة في جسد الاستقرار والتنمية، والكاتب الحقيقي هو الذى يكتب دون ضجيج..  يثور ويدعم على الورق لا على الأرض! نعرف قدر مصر جيدًا.. وقدرها أن تتحمل قسطًا كبيرا من قسوة البيئة وأخطاء السياسات الإقليمية والدولية، وغبن بعض أبنائها الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم التي هي في النهاية زائلة!

الجريدة الرسمية