حكاوى زمان، قصة محمود السعدنى مع أحلام يوم القيامة
فى كتابه وداعا للطواجن كتب الصحفى الساخر محمود السعدنى مقالا عن الأحلام المستحيلة قال فيه: كل الناس تعيش وتحلم، وكل الناس يجرى وتعرق من أجل تحقيق أحلامهم، وأحيانا يصيب، وأحيانا يخيب، إلا أن أغرب المصادفات أنه غالبا عندما يتحقق حلمه يسقط ميتا فجأة وبدون مقدمات، مات وكأن حلمه كان هو الخيط الذى يشده إلى الحياة، فإذا تحقق الحلم انقطع الخيط وضاع فى الكازوزة يا ولداه.
أعرف محاميا شابا كان يعانى من ضيق ذات اليد، وكان يحلم برصيد يكفيه شر العمل والسعى على لقمة العيش، ابتسمت له الحياة عندما اختارته الصدفة ليكون وكيل أعمال البوليس الدولى فى سيناء، وصار المحامى مليونيرا في ظرف ثلاث سنوات.
وعلى الفور قام بتصفية مكتب المحاماة الذى كان يديره ووزع الثروة على ولديه وأبقى لنفسه ما يكفيه للفسحة والتجوال عبر القارات، حجز التذاكر لأول جولة إلى أمريكا واشترى الملابس اللازمة وقبل الموعد المحدد لبدء الرحلة سقط المحامى الثرى ميتا بدون أسباب.
حدث نفس الشيء مع ممثل مشهور هو أنور وجدى، كان فقيرا فى شبابه لدرجة أنه التهم قطعة عجين ليسكت عصافير بطنه، وكان ينام أحيانا فى كواليس المسرح ويفترش الأرض ويتغطى بنجوم الليل، كان حلمه أن يصبح يوما مليونيرا ينثر الجنيهات ويوزع الشيكات، قيل له يوما إن الممثل الفلانى يملك مليون جنيه ويعانى من مرض السرطان، فقال أتمنى أن أحل محله أمتلك المليون وأعانى من السرطان..
وتحقق حلمه وامتلك الملايين وأصبح ثريا ومريضا مرضا خبيثا حرمه لذة الأكل والنوم، ثم ما لبث أن ترك الدنيا كلها وتوكل على الله الذى لا يغفل ولا ينام. وأعرف شاعرا بائسا كان يتخذ من قهوة إيزافتش محلا مختارا له في الليل والنهار، وكان يرتدى على مدار العام بدلة تيل أبيض وحذاء أبيض وقميصا معجونا بالتراب.
ثم حدث أن التقى بثرى عربى من الخليج أنشد فى عظيم خصاله وكثير أمواله قصائد ولا قصائد المتنبى فى سيف الدولة، وأصبح الشاعر غنيا ولا أوناسيس، أنيقا ولا عمر الشريف فاشترى قصرا فى جنيف وغادر مصر إليه، وبعد أن انتهى من تدخين سيجارته وهو جالس أمام بحيرة جنيف فارق الحياة، لذلك يعمر أصحاب الأهداف البعيدة والأحلام المستحيلة، ويموت أصحاب الأحلام الصغيرة والأهداف القصيرة، ولذلك يتمنى العبد لله عدم تحقيق حلمه إلا بعد مائة عام، ويبحث عن أحلام بعيدة المدى ويتعلق بأمل لا يمكن تحقيقه إلا صباح يوم القيامة.
