انتبهوا.. الواقع المؤلم لفقر المصريين
يقينى أن الدكتور مصطفى مدبولي وكامل حكومته لم يدركوا بعد حقيقة الدواعى الاجتماعية الكارثية التى قد تنجم خلال الأيام القادمة نتيجة للواقع الاقتصادى المرير الذى يعانيه الأغلبية العظمى من المصريين، والذى وصل بآلاف الأسر المحترمة للمرة الأولى في تاريخ البلاد إلى حد العجز حرفيا عن تدبير قوت يومها والمعاناة من الجوع، بعد أن بات يتعذر على بعضها فعليا تدبير ثمن العيش الحاف.
فلا يستطيع أحد أن ينكر بالطبع حجم الإنجازات التى حققها الدكتور مصطفى مدبولي وحكومته على مدار السنوات القليلة الماضية، غير أن الواقع على الأرض يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية المتردية قد حولت الآلاف من الأسر المصرية إلى منكسرين أمام ذل الحاجة وشبح البطالة والكساد وانعدام فرص العمل، ولم يعد بوسعهم سوى طرح ماء وجوههم والتسول لكبح جوع أسرهم، وهو ما قد يولد تداعيات اجتماعية أكثر خطورة.
أتمنى أن ينتبه رئيس الوزراء وكامل حكومته، إلى أن التدهور الاقتصادى والغلاء قد وصل بالأغلبية العظمى من المصريين إلى العجز فعليا عن تدبير أقل القليل من احتياجاتهم الأساسية، وأن تداعيات الفقر قد تؤدى خلال الأيام القليلة القادمة إلى تفشي جرائم السرقة والسطو والقتل بين طبقات كانت محترمة ومستورة، وقد يتحول بعضهم بفعل الحاجة إلى مجرمين من أجل كبح جوع أطفالهم وأسرهم.
اتعشم أن يسأل من بيدهم القرار أنفسهم، كيف يستطيع موظف فقير يتقاضى ما بين 2000 و5000 جنيه تدبير أمور أسرته، وهو مطالب بمصروفات "مأكل ومشرب وملبس وإيجار وتعليم ودروس خصوصية وفواتير كهرباء ومياة وغاز ومواصلات وعلاج" فى الوقت الذى يجب فيه أن يكون شريفا ونظيف اليد، وقدوة لجيل يستحمل مسئولية البلاد فى المستقبل؟.
واقع مؤلم
أتمنى أن تعى الحكومة أن ذل الحاجة وعجز رب الأسرة، سوف يزيد من مشكلات ونزاعات الأسر المصرية ويضاعف من حالات الطلاق، وسيفرز جيلا من الأطفال غير الأسوياء نفسيا أو سيكولوجيا، في ظل الفقر والتشتت والمشكلات العائلية.
أطمح في أن تعي الحكومة أن ذل الفقر والجوع قد يدفع بسيدات وفتيات من أسر محترمة، إلى الخروج وعرض أنفسهن لكل من يدفع، من أجل سد جوعهن وجوع صغارهن، ويتحولن بفعل الفقر إلى ساقطات بالإجبار، ليس هذا فحسب، بل سيدفع بملايين الشباب إلى المخاطرة بفعل فقد الأمل، والإلقاء بأنفسهم وأبنائهم إلى خطر الموت، والبحث عن لقمة العيش وسط المليشيات في ليبيا، أو عبر مجهول فى هجرات غير شرعية، طمعا في ستر قد يسبقة موت برصاص متطرف أو غرقا وسط أموج لا تدرك معنى للوجع.
أتمنى أن يصل إلى أسماع الحكومة تلك العبارات القاسية التى بدأ في ترديدها من فقدوا الأمل في العمل والزواج والاستقرار والستر، والذين وصل الحال بهم فعليا إلى حد فقدان الانتماء للوطن، والتشكيك في كل انجاز أو حديث يخرج عن الحكومة حتى وإن كان واضحا وصحيحا، والأخطر أن ذلك قد ينقلب الى سخط وحقد وكره لكل ما صالح بحكم ضغط الفقر والبطالة وفقدان الأمل، وقد ينعكس بالتبعية إلى كفر بكل ما هو قدوة ونبرأس في هذا البلد لدى الأجيال الجديدة.
أتعشم أن تدرك الحكومة أن كارثة فقدان الأمل في المستقبل قد جعلت الآلاف يلجئون إلى التبرك بخرافات أملا في الخروج من الازمة، والأخطر أنها حولت فئة إلى مغيبه فعليا، يرددون عبارات أقرب إلى الكفر والإلحاد، في ظاهرة قد تلقى بتوابعها الكارثية على مصر مستقبلا.
أعلم أنه قد يكون لدى الحكومة مبرراتها فيما وصلت إليه الأمور في مصر اقتصاديا، غير أن الواقع يؤكد أنها هبطت بطموح المواطن الفقير إلى حد أنه لم يعد ينشد سوى الستر ولا شيء غير الستر، وأن المسئولية الاجتماعية تفرض عليها تدبير أمور البلاد الاقتصادية بعيدا عن المساس بالفقراء أكثر مما حدث، وتدارك دواعى اجتماعية كارثية قادمة، وإلا فعليها أن تتحمل ما سترويه ذاكرة الشعب التى لا تنسي، وصفحات التاريخ التى لا ترحم.. وكفى.