الاستقالة أكرم يا معالى الوزير
لو قدر لى أن أكون فى موقع الدكتور على المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، لتقدمت باستقالتى أمام أعضاء البرلمان خلال الجلسة العامة التى عقدت يوم الثلاثاء الماضي، ولإعتذرت للشعب المصرى علنا عن فشلى فى إدارة الوزارة، بعد الهجوم الشرس الذى تعرض له وزير التموين من خلال 147 طلب إحاطة وسؤال وطلب مناقشة، تقدم بها الأعضاء بشأن الأداء المتردى لوزارة التموين، فى رقم يعد الأعلى على مدار التاريخ فى استخدام الأدوات البرلمانية من الأعضاء في مواجهة وزير.
ورغم قناعتى بأن الهجمة التى تمت على وزير التموين ليست بطبيعية، وتحمل رسالة بقرب نهاية حكومة الدكتور مصطفي مدبولي، إلا انها عكست تعبيرا حقيقيا من النواب عن معاناة المصريين مع الغلاء، الذى بات يشكل تهديدا فعليا للسلام والامن الاجتماعى المصرى.
ولاننى هنا لست ضد شخص الوزير الذى نجح فى الاحتفاظ بمنصبه على مدار عهود مختلفة، إلا أن الجلسة عكست ومن خلال الهجوم غير المعهود من البرلمان الحالى رغبة بضرورة الدفع بوجوة ودماء جديدة لقيادة وزارة التموين وغيرها من وزارات المجموعة الاقتصادية، بعد الفشل الزيع الذى انعكس على كامل حياة المواطن المصرى.
استقالة ام اقالة
الوزير على المصيلحى ومعه الحكومة واجها خلال الجلسة اتهامات بالفشل فى أحكام الرقابة على الأسعار وترك المواطن فريسة للغلاء واحتكار التجار، بالاضافة إلى النقص الشديد فى السلع، وافتقادهم لخطة لتضمن توفير مخزون استراتيجي من السلع الأساسية.
غير أن الملفت هو ذلك الظهور الساخن وغير المعتاد من أعضاء البرلمان، للدرجة التى جعلتهم يوجهون للحكومة ووزير التموين عبارات غاية فى القسوة مثل: "سياسة الوزارة هتوصل المصريين للجوع - انتوا عايزين الناس تشحت واللا تسرق واللا تنهب - نسمع تصريحاتك نقول الدنيا وردي ننزل الشارع مانلقيش السلع - الأسعار في متناول المواطن الحرامي - دى بقت حكومة السوق السوداء - الحكومة غرقت في كيلو أرز - الحكومة بتقول كلام وهم والسلع اختفت والأسعار بتزيد - اليوم الواحد يشهد 3 أسعار للسلعة الواحدة.
الانتقادات القاسية الموجهة للحكومة والوزير المصيلحى لم تقتصر على ما سبق، بل شهدت عبارات أشد قسوة مثل "الدعم ظاهره رحمة وباطنه عذاب - الطبقة المتوسطة تحولت إلى معدومة - الوزارة انتهت صلاحيتها ويجب أن تستقيل - على المجلس حماية المواطن من الحكومة - الناس مش عارفة تاكل - عاوزين مدبولي يجى هنا..
حجة الحرب الروسية الأوكرانية بطلت - أسمع كلام الحكومة أصدقها أنزل السوق استعجب - وكانت أشد تلك العبارات قسوة تلك استشهد خلالها نائب بقول الإمام علي بن أبي طالب حينما سؤل عن أحقر الناس، فقال: من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت اوطانهم".
الاداء غير المتوقع من نواب البرلمان لم يخلو من اتهامات مباشرة للوزير الدكتور على المصيلحى، حيث اتهمة نائب باستيراد أرز غير صالح للاستخدام الآدمي من الهند رغم اكتفاء البلاد منه ذاتيا، واتهمة آخر بمحاباة موظف بعينه ونقله إلى كل موقع وظيفى يذهب إليه رغم انه خريج أحد معاهد الفنون..
واتهمة ثالث بتضارب القرارات مستشهدا بالقرار رقم 52 الذى اصدرة الوزير في 18 ديسمبر الماضي، والذى أتاح للمضارب الخاصة حرية تدبير وتداول وتخزين الأرز الشعير وتداول ونقل الأرز الأبيض، ثم دفع برجال الوزارة لشن هجمات على تلك المضارب، مما أدى إلى اختفاء وارتفاع أسعار الأرز.
الهجوم على الوزير الذى كسر حاجز الثمانين من العمر، لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت إلى حد التهكم، حيث استشهد نائب بتصريح للدكتور على المصيلحى قال فيه: "المواطن عايز زيت بيور، هو انت جاي تاخد دعم ولا تتأنعر" كما تهكم آخر على سياسة الوزير مستشهدا بحذفه مواطنة من منظومة الدعم فى عام 2018 بحجة أنها توفيت، ومنذ ذلك الحين تحاول إثبات أنها مازالت على قيد الحياة.
لم استشهد فى دعوتى لوزير التموين بالاستقالة سوى بما قاله نواب البرلمان الذين لا يسألون قانونا تحت القبه عما يقولونه، غير اننى أرى في ثقافة الاستقالة -التى لم نعهدها من وزاءنا- إكرام للدكتور على المصيلحى عن إقالة متوقعة ستعودة به إلى مسقط رأسه فى أبو كبير بالشرقية، انتظارا للمنافسة من جديد على مقعد نيابى أملا فى عودة لن تكون إلى مقاعد الوزراء.. وكفى.