فين القانون؟
للأسف، الجدل الواسع الذى ساد مصر خلال الأسبوع الماضى حول قانون الأحوال الشخصية الجديد، يعكس مدى العبث القميئ الذى نعيشه فى العالم غير السوى للسوشيال ميديا، الذى صنع من التوافه نجوم، ومن الجهلاء قادة رأي، وبات منبرا لكل من هب ودب لتوجية وتضليل الرأي العام بفتاوى ومعلومات مغلوطة لا وجود لها على أرض الواقع.
فالمتدبر لتسلسل وحقيقة الأحداث التى وقعت بشأن قانون الأحوال الشخصية خلال الشهور القليلة الماضية، سوف يكتشف وبسهولة أن كل ما دار من جدل خاصة فيما يتعلق بفكرة صندوق الزواج، مجرد عبث واجتهدات لجهلاء من وحى الخيال، وانه لا يوجد حتى هذه اللحظة قانون أو حتى مسودة لقانون..
بل مجرد خطوط عريضة يتم دراستها من لجنة قضائية تمهيدا لصياغتها فى صورة مشروع قانون، سيتم طرحه للنقاش المجتمعى قبل عرضة على مجلس الوزراء ثم البرلمان، الذى قد يعدل أو يرفض أو يوافق على نصوصه التى هى فى النهاية ليست بقرآن أو نصوص سماوية، بل مشروع تشريعى قابل للتعديل.
لست هنا بالطبع بصدد الدفاع عن الحكومة، غير أنه بالفعل لا يوجد حتى الآن نصا أو مسودة لمشروع قانون الأحوال الشخصية، الذى ترك الجميع كل ما خرج من تسريبات عن خطوطه العريضة، وراحوا يزايدون على الاقترح الذى قد يشمله القانون بإنشاء صندوق -لم يتم الموافقة عليه بعد- يلزم المقبلين على الزواج بالتبرع برسم نقدى لم يتم تحديد قيمته أيضا بعد، فى حين حسمه رواد السوشيال ميديا على انه توجه من الدولة لتقنين ومنع الزواج، بفرض رسم باهظ يتراوح بين 30 و50 الف جنيها.
قانون جديد للأحوال الشخصية
للأسف إن قصة القانون المقترح تختلف على الإطلاق عما صورها جهابذة السوشيال ميديا، وحقيقتها دون تحيز بدأت فى يونيو الماضي بتوجية من رئيس الجمورية بالبدء في إعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، فأصدر عمر مروان وزير العدل قرارا بتشكيل لجنة قضائية مكونة من 10 قضاة يترأسها المستشار عبد الرحمن محمد، للبدء على الفور فى إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية، على أن يتم الانتهاء منه فى الخامس من أكتوبر الماضى.
غير أنه مع بداية عمل اللجنة، انهالت عليها الاقتراحات من المهتمين بشئون الأحوال الشخصية، لدرجة ان عددها وصل إلى 4733 مقترحا، فوجدت اللجنة أنه لازاما عليها دراسة كل الاقتراحات والأخذ بالجيد منها بمواد القانون المختلفة، وهو ما دفع وزير العدل لفتح المهلة المحددة للانتهاء من المشروع إلى أن تنتهى اللجنة من عملها.
وتشير المعلومات المتوفرة، أن اللجنة عقدت حتى الآن ما يزيد عن 20 جلسة نقاش، إنتهت خلالها من صياغة أولية ل 188 مادة، غير أن المشروع في صورته النهائية لم ينتهى، ولن ينتهى قبل شهرين على الأقل من الآن، يبدأ بعدها طرحه لحوار مجتمعي، ثم عرضه على مجلس الوزراء، ثم إحالته لمجلس النواب لمناقشته وتعديله أو رفضه أو الموافقة عليه.
أؤكد أننى لست مع الاقتراح بإنشاء صندوق الزواج، وأرى أن أمواله ستكون مجرد جباية سيتم تحصيلها عنوة وعن غير رضى من الشباب، وقد تلقى ذات مصير كل أموال الصناديق الموجودة في مصر، ويتم تبديدها على رواتب ومكافآت، دون أن يحصل المستفيد الحقيقى سوى على ملاليم لن تثمن أو تغنى من جوع..
وفي استنساخ للدور الأصيل لوزارة التضامن الاجتماعى، الذى من الأجدر بالحكومة التفكير فى تطويرة ودعمه، لاسيما بعد أن تخلى البنك المنوط برعاية الأرامل والمطلقات عن دورة الاجتماعى، وتحول إلى كيان مصرفى بحت، يفرض ذات الفوائد والسياسات المتبعة في البنوك الأخرى.
بنود قانون الأحوال الشخصية
لن أمارس سياسة الجهل التى اتبعها جهابذة السوشيال ميديا واشرع فى الهجوم على خطوط عريضة لم تخرج بعد حتى في صورة مسودة، لاسيما وأن أغلب التسريبات التى تم تداولها -بعيدا عن مقترح الصندوق- تتحدث عن خطوط لمشروع تشريعي محترم، يتصدى لمشكلات وآفات يعانى منها المجتمع، منذ سنوات..
مثل استحداث إجراءات للحد من الطلاق، والحفاظ على الذمة المالية للزوجين ونصيب كلٍ منهما في الثروة، وقضايا الولاية على المال، وحجب الرؤية، وتوثيق الطلاق، والزواج العرفى، ومشكلات الخطوبة، والطلاق دون عدم معرفة الزوجة.
كما تتحدث التسريبات عن منح صلاحيات جديدة ومحمودة للقاضي للتعامل مع الحالات العاجلة، ووضع نظام يجمع كل منازعات الأسرة أمام محكمة واحدة، وإعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان، وجميعها قضايا شائكة تؤرق المجتمع منذ سنوات وتحتاج بالفعل إلى تدخل تشريعى.
دعونا نتمتع بالحكمة وننتظر خروج مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد للنور، وحينها يحق للجميع الإدلاء بدلوه، بدلا من الإفتاء بجهل واختراع قضايا لا وجود لها سوى فى عقول توافة الشو على السوشيال ميديا.. وكفى.