الشعب رهينة الدولار !
ما هذه الحالة السقيمة التي استبدت بالناس، واستسلم لها الناس؟ إن صعد الدولار هبطت معنويات الشعب، وإن هبط الدولار صعدت معنويات الشعب. قبضت حركة الدولار الراقصة على صدورنا، وصار الناس رهائن الملعون الأمريكي، وباتت البيوت تحسب كم تبقى للجنيه من أجزاء وأعضاء، وكم تبقى في الجيوب منه، وكم يشترى!
حالة من البؤس، ومن اليأس، مقترنة بأسئلة وجودية، عن لون المستقبل، ورجح السواد الأعظم اللون الأسود أو الرمادى، والقليل القليل من استمسك بالتفاؤل.
نعم نحن فى أزمة. الوجه الصحيح لأزمة الدولار هو الخوف من نقص الطعام، وانعدام القدرة على الوفاء بالاحتياجات، مع توحش العصابة الاحتكارية وعدم اكتفائها حتى الآن بما مصته من دماء المصريين.
نعم نحن في كبد، وفي ضيق، وفي حرب علينا من الداخل ومن الخارج. هل يعلم المصريون أن ٢٨مليار دولار من احتياطي مصر في البنك المركزي البالغ ٣٤ مليار دولار هي ودائع أجنبية (قناة العربية).. فأين ذهبت الودائع المصرية؟
فى هذا السياق، يمكن فهم وتقدير قرار الحكومة بعدم بدء أية مشروعات جديدة تحتاج دولارات، واستخدمت الحكومة تعبير مشروعات ذات مكون دولارى، وسواء تأخر هذا القرار أو تقدم، فإن هذا يعكس سياسة ترشيد نتمنى أن تقترن بسياسة ردع فورية لمن يتلاعب بالأقوات وبالعملات.
السياسة الإعلامية المدروسة
الوضع الاحتكاري الجارى وإخفاء السلع وإبقاء الأسعار مشتعلة كل يوم سعر، بل كل ساعة سعر، ليس له من هدف إلا زعزعة ثقة المواطن في الحكومة، وأحسب أن هذا تم، وأن الحكومة بسياسة الصبر المتسكع ظهرت فى صورة الضعيف العاجز، وأن جبروت الاحتكارات أعلى من سلطان الردع الادارى..
تبدو الروح العامة الآن في ندم على ما فات، وفي خوف على ما سوف يأتي، وفي سخط على الوضع الحالى، ومع استمرار هذا الارتهان تبدو فرص التوتر والاضطراب مرجحة.
بطبيعة الحال، فإن مصر مرت بما هو أشد وأصعب، ويتذكر جيلنا اللفظ المعتاد للرئيس الراحل السادات، لفظ المعاناة في معظم خطبه، وجزء كبير من فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك الأولى، حتى عرف الناس أجهزة التكييف والموبايلات وثلاثة خطوط، وشئ من الرفاهية، حتى انقلبوا على أنفسهم ونقموا على ما هم فيه !
ما المطلوب الآن حتى لا تتسع دائرة عدم اليقين ؟ المطلوب أن توالى الحكومة شرح الموقف للناس بجوانبه كافة، وألا تمل من ذلك، ففى الاصرار على الشرح وعلى التوضيح إظهار للناس أنها مهتمة وأنها تعمل على وضع الحلول الفورية والمتوسطة وبعيدة الأجل..
والمطلوب أن توضح في ذلك المدى الزمنى والأفق الذي عنده تنكسر حدة الأزمة، والمطلوب ثالثا أن يواكب ذلك الجهد، سياسة إعلامية مدروسة، وخطط علمية تخاطب عقول الشعب. ووطنيته، وبدون إعلام عاقل، غير انتقائي، لن تنجح الحكومة في التأثير وتحقيق الأهداف.
وبمناسبة الإعلام فإن إعلام التثوير الذي هدم الدولة وزعزع أركانها وسلمها لإرهاب الإخوان لا يصلح أبدا للتهدئة ولطمأنة المزاج العام. وبمناسبة الإعلام فإن قيام المذيعين بدور المرشد العام للشعب في السياسة وفي الاقتصاد وفي الدين وفي الصحة وفي الفن وفي التنوير، لم يعد مقبولا، فلقد سئم الناس دور المذيع العارف كل شئ في أي شئ!
حالنا صعب؟ نعم صعب. هناك أمل؟ نعم بالطبع، سنجتاز الأزمة بالمحاسبة والردع والتغيير، في النفوس والشخوص والسياسات.. ويتجدد الدعاء اللهم احفظ مصر..