رئيس التحرير
عصام كامل

لَا تَقۡرَبُوا۟ القَنَاةُ

لا أجد مبررا لصمت الحكومة وعدم خروجها للرد على كافة التساؤلات والشكوك التى أحاطت بمشروع قانون صندوق قناة السويس المثير للجدل التى تقدمت به للبرلمان خلال الأسبوع الماضى لتعديل بعض أحكام قانون هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975 ولاسيما وأن التعديلات المطروحة جاءت مغلفة بكثير من الغموض وعدم الشفافية، وتطرح مخاوف فعلية حول مستقبل كيان اقتصادي واستراتيجي يعتبر المصريون الاقتراب منه مساسا بالأمن القومى للبلاد.

 

ولأننا لسنا بصدد مناقشة قضية هزلية بل مستقبل أهم وأكبر وأخطر الكيانات الاستراتيجية في البلاد، فأننى أرى أن مجلس النواب قد صنع خيرا بالحكومة عندما أرجأ بعمد أو غير عمد الموافقة على مشروع قانون صندوق قناة السويس، والذى يقضى وفقا لرؤية الحكومة لإنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس، بهدف المساهمة بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات وزيادة رؤوس الأموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

صندوق قناة السويس

الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس دافع بشدة عن التعديلات التى تريد الحكومة إدخالها على القانون، مؤكدا أن صندوق قناة السويس المزمع انشاءه سيكون منفصلا عن هيئة قناة السويس وخاضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ويهدف إلى تمويل المشروعات الاقتصادية والمستدامة التي ستنفذها الهيئة، دون أن يتمكن من بيع أو شراء أو تأجير واستئجار أو استغلال الأصول الثابتة والمنقولة أو الانتفاع بها، على عكس ما ورد بالتعديلات المقترحة.

 

غير أن السؤال الذى يطرح نفسه بعيدا عن التشكيك فى تصريحات الفريق أسامة ربيع، هو ماذا يمنع هيئة قناة السويس من إقامة المشروعات والتوسع والتطوير بعيدا عن إقامة مثل هذا الصندوق أو الدخول فى شبهات.

 

القراءة المتأنية لمشروع قانون صندوق قناة السويس تقول انه جاء بالفعل مغلفا بكثير من الغموض، وفتح الباب على مصراعيه لسيل من الاتهامات للحكومة، بوجود نوايا غير معلنة وراء إنشاء الصندوق السيادى، الذى قد يقتطع من إيرادات قناة السويس، ويقسم موازنة الدولة إلى ميزانيات مستقلة تتبع لصناديق خاصة لا تخضع لرقابة الأجهزة أو مناقشة المؤسسات التشريعية، إلى جانب إتاحة الفرصة لدخول عناصر أجنبية فى إدارة الهيئة الوطنية الخالصة، ووضع إيراداتها ومشاريعها تحت تصرف كيانات أجنبية.

تعظيم محور قناة السويس

لا أشكك بالطبع فى وطنية حكومة الدكتور مصطفي مدبولي أو صدق نواياها، غير أن الشافية تحتم القول إنها طرحت التعديل على القانون بشكل فوقى، حمل كثير من الشكوك حول مستقبل أهم الممرات المائية الدولية، وكان لابد أن يفسر بأنه تهديدا لسيادة البلاد وأمنها القومى، ولاسيما وأن قناة السويس تحقق إيرادات لا بأس بها وصلت خلال العام الحالي لنحو 8 مليارات دولار، وسط توقعات بمضاعفة هذا الرقم خلال العام القادم، وهو ما يؤكد نجاح نظام الإدارة الحالي، ولا يدعو لتغييره.

 

العقل يقول انه قد كان الاولى بالحكومة طرح رؤيتها لجذب الاستثمارات وتعظيم محور قناة السويس، بدلا من الاندفاع لتعديل قانون يتعلق بكيان اقتصادي ذات طابع استراتيجي، ولاسيما وأنه نص صراحة على إنشاء صندوق سيادي يستقل بميزانيته عن ميزانية الدولة، ويمتلك حرية البيع والشراء والايجار والاستئجار، ولا يخضع لآليات الرقابة والمحاسبة، أى أنه يتيح دخول مستثمرين أجانب يكون لهم الحق فى التصرف في موارده ومشروعات القناة، بدلا من أن تؤول لخزينة الدولة، فى الوقت الذى تفى فيه مواد القانون الحالى بالغرض الذى تستهدفه التعديلات المقترحة.

هدف صندوق قناة السويس

ولعل ما يدعو للعجب، أن تلك التعديلات تأتى فى توقيت بحت فيه الأصوات من كثرة المطالبة بضم الصناديق الخاصة لميزانية الدولة، ولاسيما وأن إعدادها وحجم مواردها التى تزيد عن ال 50 مليار جنيه سنويا مازالت بمثابة سرا كبيرا يصعب الإفصاح عنه، ولا يحق لأى من الاجهزة الرقابة الاقتراب منها، وسط اتهامات بإهدار أموالها على الاحتفالات والمهرجانات ومكافآت للمستشارين والحبايب والمقربين بالوزارات والهيئات الحكومية.

 

لقد كان على الحكومة أن تربأ بنفسها عن الاتهامات التى طالتها خلال الأيام القليلة الماضية، ولاسيما وأن المادة 15 من القانون الحالي للهيئة والتى تتكون من فقرة من سطرين فقط، تم تفريعها فى التعديل الجديد إلى 9 مواد، بل وتشعيبها من 1 إلى مكرر 15.. 

 

في حين أن القانون الأصلي بأكمله مكون من 16 مادة فقط، فى الوقت الذى وجه البعض اتهامات لتعديلات بوضعها النظام الاساسى للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية، وبناء على عرض من رئيس هيئة قناة السويس بعد موافقة مجلس الوزراء، وهو ما طرح كثيرا من الشكوك حول أهداف صندوق قناة السويس وانشطته وأمواله ولائحته ونظامه الأساسى، بعيدا عن أعين الأجهزة الرقابية والبرلمان.

 

المنطق يقول أنه يجيب على الحكومة أن تترفع عن الشبهات، وتبادر بسحب مشروع صندوق قناة السويس مراعاة للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لقناة السويس، واخضاع القضية برمتها للمناقشة المجتمعية، ولاسيما وأنها تتعلق بكيان وطنى استراتيجى يعتبر الاقتراب منه خطأ أحمر ومساسا بالأمن القومى المصرى.. وكفى.

الجريدة الرسمية