فضيلة الإمام
قبل ساعات من الحملة المتنطعة ضد إمام الدعاة الشيخ متولي الشعراوي كان المصريون يجترون حزنهم على تراجع قوتهم الناعمة حينما حشدت إحدى القنوات الخليجية دولاراتها في ليلة رأس السنة باستعراض لنجوم الغناء في المنطقة ودار جدل كبير يقارن ويسترجع الزمان وخلص هذا الجدل على أننا من فرطنا بمحض إرادتنا في قوتنا..
وقبل أن يضع هذا العبث أوزاره ظهر جدل سفيه ينتقص من قدر الشيخ محمد متولي الشعراوي لأمر لا يتخطى طرح فكرة عرض أمسية عن الشيخ الشعراوي لليلة واحدة ضمن إمساكية شهر رمضان، ضمن خطة البيت الفني للمسرح.
وقالت وزيرة الثقافة إن شخصية الشيخ الشعراوي عليها تحفظات كثيرة: "لابد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية المؤثرة في المجتمع لتقديم سيرتها على المسرح القومي".. وهو كلام ليس له أي مبرر مقبول لهذه "الثرثرة" المقززة، بشأن هو كغيره يؤخذ منه ويرد. لكن يبقي فضله وهذا نوع من الشطط في الآراء والأحكام التى يطلقها البعض أمام بعض الرموز الدينية في هوجة شديدة الضراوة ظاهرها الحوار وباطنها الانتقام من الإسلام ورموزه.
تشويه القدوة الصالحة
إن المهاجمين يهاجمون الحالة الدينية بشكل عام لهدمها وتشويهها تحت مسمى تجديد الخطاب الديني ثم إن انتقاص علماء الدين ورواد الفكر ومشكِّلي ضمائر الشُّعوب ووجدانها لا يتوقف خطره عند تشويه معنى القدوة الصالحة وتهوين مكانة العلم في نفوس الناس، بل يمتد خطره إلى تبديد عقود من عمر الأمة وهُويتها؛ علمًا، وفكرًا، وثقافةً، وحضارةً..
ويُخلي الساحة لتصدر نماذج رديئة لا تجني الأمة من ورائها إلا المزيد من الضّعف والتّمييع والانسلاخ من مقومات عِزها وكرامتها، وتلك جريمة في حقّ الفكر والإبداع والوعي الوسطي المستنير..
الشيخ الشعرواي مجتهد وقدم مساهمة فعالة وقوية في وقته ولكن في الوقت نفسه قدم أراء صادمة مختلف حولها ولكن له كل تقدير لا تقديس ومالا يؤخذ كله لا يترك كله فيجب أعمال العقل واستفتاء القلب.. وهذا يتطلب قدرا من العلم للأسف أصبحنا لا نملكه وكان الرجل في ذاته ظاهرة غير مسبوقة بمهاراته اللغوية ونبرة صوته شديدة التعبير والتأثير ونمط الثقافة التي يمثلها وفي ظروف تراجع المشروع الوطني والقومي..
أيضا أداة ثبت أنها شديدة التأثير في الجموع التي لجأت إلى الدين كوسيلة للهروب بعد هزيمة 67، إمام الدعاة صار مكونًا رئيسًا في المجتمع المصري، وبين الأجيال التي ولدت بعد وفاته في عام 1993، وربما من لم يتابع له درسًا أو يعرف عنه معلومة باستثناء أنه إمام الدعاة، وبين من يضعونه في مصاف القديسين، وهو نفسه كان يرفض ذلك وينفر منه أتاه الله مفاتيح اللغة وكان بارعًا فيها، وكان قادرا على التنقل ببراعة بين دائرة العلماء الأكاديميين والمثقفين والكٌتاب وأرباب الرأي، ودائرة الثقافة الشائعة بالاضافة إلى كونه عظيم التواصل الجماهيري مع عموم الناس.
دخل إلى بيوتهم من خلال شاشة التلفزيون وأدخل معه إلى البيوت النور والفهم والحكمة والأمان والرحمة والاعتزاز بالبلد والغيرة على مصر ممن يكفرها ويتهجم عليها، بكلمته العظيمة المشهورة عمن يصف مصر بأنها أمة كافرة.
كان العلامة الفقيه الشيخ الشعراوي رحمه الله نسيج وحده، إنحيازاته كانت لصالح ما يعتقد صوابه، ولا يمكن أن تصنفه ضمن تيار أو حزب أو جماعة معينة.. فالمبدع لا يمكن أن يحتويه إطار.. الله يرحمك يا مولانا الشيخ الشعراوى، لقد كسر تابوهات احتكار العلم الدينى وإستطاع أن يصل بمعلومته إلى أبسط الطبقات بأسلوب يناسبها مع عدم الإخلال بالمضمون رحمة الله عليه وغفرانه.
