اقتصاد السوق الاجتماعي
للأسف ليست هناك نظرية يستند إليها عمل الاقتصاد المصرى علي الرغم من تبني اقتصاد السوق في الدستور، غير أن هناك الكثير من الممارسات شبه اليومية التي تصطدم بهذا النص، وبغض النظر عن العديد من التجارب التي خاضتها الدولة من النظريات الاقتصادية فلم تستقر الحياة الاقتصادية بعد، وربما يكون اقتصاد السوق الاجتماعي هو الأنسب لخلق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي معا..
وهو غاية أي نظام، وهو نظام اقتصادي رأسمالي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق، كما يرفض أيضا الاشتراكية الثورية حيث يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة، مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة، تقليل التضخم، خفض معدلات البطالة، وضع معايير لظروف العمل، وتوفير الخدمات..
وقد تم تطوير نظام السوق الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية من قبل البروفيسور ألفريد مولر-آرماك والبروفيسور لودفيغ إيرهارد. ولا زالت أفكارهما تطبق بشكل كبير حتى يومنا هذا ويستهدف هذا النظام تحقيق أكبر قدر ممكن من الرخاء إلى جانب أفضل ضمان اجتماعي ممكن.
الإصلاحات الاقتصادية والفساد
يتعلق الأمر بالاستفادة من مزايا اقتصاد السوق الحر، مثل حرية اختيار الوظائف والتسعير الحر والمنافسة والاستفادة من وجود مجموعة كبيرة من السلع بأسعار زهيدة. ويصاحب هذه الإجراءات التخفيف من مساوئ اقتصاد السوق الحر التي تتمثل في تكوين الاحتكارات واتفاق التجار على الأسعار والبطالة التي تمثل تهديدًا وجوديًا.
لهذا السبب تتدخل الدولة إلى حد ما في تنظيم السوق وتأمين المواطنين ضد المرض والبطالة من خلال شبكة من التأمينات الاجتماعية غير أنه يزال مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي يعاني من الغموض ويفتقر للدقة بل لم يجر توضيح حدوده وأغراضه بما يكفي..
هل يقصد من تبنيه الحرص بالفعل على استمرار دور الدولة في ضمان الخدمات الاجتماعية للمواطنين، أم أنه أشبه بحل وسط جراء خوف السلطة من فقدان تحكمها بالورقة الاقتصادية والانتقال من اقتصاد مخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق الحر، أم يتعلق الأمر بحسابات المكاسب والرغبة في الإبقاء على اقتصاد الدولة كمصدر لكل السلطات؟!
ولقد تنوعت أشكال الضبط الاجتماعي للسوق وتباينت بين تجربة وأخرى تبعا لمراحل التطور الاقتصادي ولحدود الإمكانيات والقدرة على توجيه الإنفاق الاستثماري لتلبية الحاجات الاجتماعية، فعرفت ألمانيا حالة تفاهم بين أرباب العمل والنقابات لتقرير الأجور وتخصيص أموال وفيرة للتدريب وتطوير الكفاءات المهنية، في حين شكلت السويد منافسا حقيقيا للدول الاشتراكية من حيث طابع ونوعية المكتسبات المعيشية والصحية والخدمية التي تعم المجتمع.
ولقد أوضحت التجربة التاريخية أن الإصلاحات الاقتصادية بوسائل غير ديمقراطية لا تحقق النجاح المطلوب وتفضي إلى كثير من الفساد مما يحول المجتمع إلى ساحة لصراع دائم لا ينتهي، بينما التنمية السياسية وإطلاق الحريات هي خير بديل وتوفر المناخ الصحي لتحقيق الكفاءة الاقتصادية جنبا إلى جنب مع الكفاءة الاجتماعية..
فلا يمكن تحريك الدورة الاقتصادية ومعالجة الركود والفقر وظاهرة البطالة وإيجاد فرص عمل لعشرات الألوف من خريجي الجامعات والمعاهد طالما لم تنشط حركة الاستثمار, وطالما لم نقتنع بحقيقة تقول إن مناخ الانفتاح والحرية والتعددية هو المناخ الوحيد القادر على تشجيع الاستثمارات المحلية وجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية.