أزمة الدولار والأسواق وقواعد الإنتاج
أصبح لا يعلو صوت الآن فى كل بيت على الحديث عن أزمة الدولار وأخواته من العملات الصعبة، ويمتد الحديث من الشكوى والصراخ إلى الاضطراب الشديد الجاري منذ شهور وسنوات في كل أسعار السلع والخدمات أيضا، ولم يشغل الناس بالهم كثيرا بالأزمات الحادة التى تواجه قواعد إنتاجهم المحلى صناعية وزراعية رغم أن ما تواجهه من مشكلات وأزمات صارخة كبيرة وكبيرة جدا ومنذ سنوات أيضا دون تحرك مناسب من أهل الاختصاص والمسئولية في ديوان مجلس الوزراء وهيئاته، واجهزته التابعة..
رغم أن معظم ما اتخذه من قرارات إدارية ومصرفية وتشريعية أيضا خلال الشهور الماضية كان بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة في أسواقنا المصرفية والسلعية، والنتيجة نصحو عليها كل يوم، هى مزيد من الاضطراب والارتباك في سوق النقد الأجنبي وفى أسواق كل السلع استراتيجية كانت أم أساسية وضرورية.
حزمة إجراءات احترازية
والمدقق والمتابع في قرارات الحكومة منذ بداية حدوث الاضطراب في أسواقنا المحلية وعودة الاضطراب في سوق النقد قبل نحو عامين ونصف في أجواء جائحة كورونا المريرة وبعد أن كانت سوق النقد المحلية تشهد استقرار ملموسا في أسعار العملات وانخفض وقتها سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى أقل من 15,5 جنيه.
قامت الحكومة وجهازها المصرفى ضمن حزمة إجراءات احترازية فى مواجهة الجائحة بإصدار قرارات مصيرية للحد من الاستيراد، بداعى السيطرة أو تقييد حركة الاستيراد أقل ما توصف به أنها قرارات كارثية وغير مدروسة العواقب والنتائج.
حيث لم يتم دراسة أثر هذه القرارات على قواعد الانتاج التى نعلم أنها تستحوذ على ما يتراوح بين ٧٥% الى ٨٥% من فاتورة الاستيراد في صورة سلع وسيطة ومكونات ومواد أولية لازمة للصناعات المحلية، لتتفاقم أزمة الصناعات المحلية وفى المقدمة منها الصناعات الغذائية التى تعتمد في الأساس على السلع الوسيطة والمكون المستورد..
بل إن أغلبها يعد ذا طابع تجارى أكثر منه صناعي مثل صناعات الألبان وزيوت الطعام وأيضا صناعات الدواجن واللحوم الحمراء، فضلا عن صناعات أخرى لسلع استراتيجية تأثرت سلبا بالقرارات الحكومية أيضا سواء ما يتعلق منها بتنظيم حركة الاستيراد أو التصدير والتداول محليا..
ويأتى على رأس تلك الصناعات، صناعات الأسمدة العضوية، خاصة بعد أن أصبح المهيمن عليها الشريك الأجنبى وأيضا صناعات أخرى كالأسمنت والحديد والصلب وجميعها تخطت زيادات الأسعار فيها أكثر من ٣٠٠% خلال عامين فقط.
موجات غلاء متلاحقة
ويقول خبراء الاقتصاد في كل وقت أن ميزان الأمان والاستقرار لأسواقنا المحلية في كل الأوقات هو زيادة الانتاج المحلى، وسياسات فعالة لزيادة حصة صادراتنا للأسواق الخارجية، وإزالة أوجه الخلل أمام عمليات جذب الاستثمارات الجديدة محلية وخارجية، وكذا دراسة أوجه القصور الحادة التى أدت إلى هروب رؤوس الأموال المستثمرة فى أسواقنا بأكثر من 14 مليار دولار وفى أقوال أخرى تقدرها بنحو 25 مليار دولار خلال عام، تلك هى أسباب الأزمة ولا غير.
لن تشفع الحلول المؤقتة سواء من صناديق انمائية اقليمية أو دولية أو حتى مساعدات من دول صديقة أو كذا اتفاقات مع الصندوق الدولى تضاعف الأزمة وتخلق أزمات أخرى كبيرة.. كلها مسكنات وحلول مؤقتة لن تشفع سواء في السيطرة على حركة صرف العملات الأجنبية أو تحد من موجات الغلاء المتلاحقة التى بتنا نصحو وننام على فواجعها يوميا.
إذا الأمر لا يتعلق بتداعيات أزمات خارجة عن الإرادة كجائحة كورونا أو الحرب الأوكرانية الروسية رغم اعترافنا المؤكد بوجود بعض الآثار من جرائها ولكن الحقيقة المرة أن أزمتنا هى أزمة إدارة اقتصادية فاشلة أو غير مدروسة لما يواجهنا من تحديات.
فضلا عن انكشاف حال الضعف المذرى لأجهزة الرقابة الاقتصادية على الأسواق المحلية وكأن الحكومة تنتظر تدخل الأجهزة الامنية لفض الاشتباك الحاد داخل الأسواق بين جشع التجار ولهيب أسعار تحرق ظهور المستهلكين صباح ومساء ولا معين.