ظاهرة استعباط الناس تتغول في حياتنا؟!
من أبشع الظواهر السلبية الخطيرة والمقيتة التي باتت تتمدد وتتغول في حياة الناس في عصر النت والسوشيال ميديا، هي ظاهر استعباط الناس والتعدي على خصوصياتهم بدون مناسبة، وبخاصة حين تأتى من مدعى أو جاهل بغيض متكبر ومتبرم وكاره لكل شيئ إلا نفسه بالطبع وفي بعض الأحيان هو بالأساس كاره لنفسه، ولكن لديه غرام شديد لتعكير حياة غيره حتى السواد..
من أخطر هؤلاء وأشدهم بلاء المتقمص لدور الداعية المخلص الأمين وهو جاهل بكل علوم الدين والدنيا، تجده قرر ذات يوم أن يلتزم في حياته ويمحو بعضا من تاريخ عصيانه، فقرأ كتابا أو كتابين من أذكار الصباح والمساء وأتبعهما بكتيبات من تفاسير مدعين علم ونصيحة مثله، وفي اليوم التالى تجده بحماس عازم لأن يتقلد دور الداعية المعجبانى، وينطلق يحرم أشياء كثيرة من باب الاحتياط ويحلل أخرى قليلة من باب الورع والالتزام..
وبحماس شديد يجاهد في تعكير حياة الناس حتى الظلام الدامس، فلا صباح ولا سلام ولا حتى ابتسام في وجه أخيك أو جارك.. هو قرر أنه عاصى أو كافر لا لشيئ إلا أنه لا يصاحب أفكاره أو يجالس دائرته المستنيرة.. فلا عجب أن يكون في عقيدة هؤلاء سلامك أو ابتسامك ومعايدة الأخرين في أعيادهم معصية وكفر!
ولا تتوقف ظاهرة استعباط الناس على داعية مدعي فمثل هؤلاء أصبح على الساحة أثواب وألوان متعددة.. فهاك خبير الاقتصاد الذي ينطح بأفكاره أزماتنا ويحدث كوارث كل يوم ولا يبالي بضنك العيش الذي أصبحنا نعيشه، ويفتي في كل قضية لا يعلم فيها شيئا.. وذاك أصبح محللا رياضيا لبس تيشيرت ذات يوم أغبر أو أمسك بميكروفون في الساحة الخالية وطل علينا على الشاشة الفضائية وهات يا تحليل ونثر الغبار على الناس حتى كرهنا الرياضة وناسها..
وفي المشهد أيضا مستعبط جديد بلقب طبيب وطالع لابس نظارة لزوم الصنعة والهيبة، وعمال يفتى ويصدر أحكام وروشتات لكل الأمراض على الشاشة برضة باطنة وقلب وعظام ماشى، نفسى وعقلى وتجميل وتخسيس كمان كله ماشى لصالح المواطن الغلبان!
وفي المشهد يتبارى أيضا فقهاء في القانون والأحكام وحقوق الانسان.. وقول يا سعادة المستشار وأحكم، النهاردة يمين وبكره شمال، المهم أنه يدخل الكادر والصورة تطلع حلوة.. أما الاستعباط في الفن والغناء والطرب فهو حكاية هاصت خالص وأصبح محمد وعصام دويتو وحمو وعمرو وشطا مداحين وبطاطا وعنبة فنانين، وضاع أصحاب الرق والصاجات في خبر كان، وعمت الفوضى الساحة وإحتل أهل الاستعباط كل الأماكن.. أين المفر؟