احلاهما مر !
كان أمام البنك المركزي أحد أمرين لمواجهة الأزمة الاقتصادية المزدوجةَ.. إما الإبقاء على معدلات الفائدة كما هى دون تغيير أو زيادتها بنسبة محدودة نظرا لآن أى رفع كبير لها لا يجدى في استعادة الأموال الساخنة مجددا للسوق المصرى في ظل اتجاه الفيدرالى الأمريكي للرفع المتواصل لأسعار الفائدة..
فضلا عن أن رفع أسعار الفائدة يكلف الحكومة وموازنتها مزيدا من الأعباء باعتبارها أكبر مدين للبنوك، بل له تداعياته على الاقتصاد المصرى كله لأنه يزيد من تكلفة الاستثمار ويدفع في اتجاه اصابته بالركود أو تباطؤ النمو..
السيطرة على التضخم
الأمر الثانى فقد كان هو رفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة لاصلاح حال سوق النقد وحماية الجنيه من انخفاض كبير، من خلال اجتذاب الجهاز المصرفى الأموال المدخرة بالجنيه وكبح جماح عمليات الدولرة التى تهبط بقيمة الجنيه وتعمق بالتالى أزمة التضخم.. وقد اختار البنك المركزى السبيل الثانى وهو رفع كبير لسعر الفائدة.
والملاحظ أن البنك المركزى اختار نفس السبيل الذى كان يسلكه من قبل، أو قبل التغيير الذى حدث في قيادته، أى أن السياسات النقدية لم يطرأ عليها تغيير توقعه بعض المراقبين مع تعيين محافظ جديد للبنك المركزى..
والملاحظ أيضا أن تحفظ الحكومة السابق على رفع سعر الفائدة حتى لا تتحمل مزيدا من الأعباء عندما تزيد تكلفة ديونها المحلية تراجع أو انحسر أمام الحاجة لضبط سوق العملات الاجنبيةَ وحماية الجنيه من انخفاضات كبيرة سوف تترجم في نهاية المطاف لزيادة في معدل التضخم تضطر الحكومة وقتها للتدخل بدعم مزيد من المواطنين.
وهكذا.. كلا الأمرين أحلاهما مر.. وقد اختار البنك المركزى ومعه الحكومة ما اعتبره الأقل مرارة لكبح جماح انخفاض الجنيه وبالتالى للسيطرة على التضخم الذى بلغ معدله طبقا لجهاز التعبئة والإحصاء ٢١ في المائة..
لكن يبقى أن نكرر التأكيد مجددا على أن جوهر أزمتنا الآن هى أن إنفاقنا من النقد الأجنبي يفوق مواردنا منه، ولذلك نحن نحتاج إلى تخفيض إنفاقنا وزيادة في مواردنا.. وزيادة الموارد من النقد الأجنبي تحتاج لوقت إما تخفيض انفاقنا من النقد الأجنبي فإنه يمكننا أن قوم به فورا بالتقشف الاستيرادي، وقصر وارداتنا على الضرورى فقط، مثل الغذاء والدواء ومستلزمات الانتاج فقط.